“عَمَلِيَّاتُ العَقْلِ-المَفْتوح” (Open-Mind Surgeries) – حَلْقَة (19)
مَن يَنْقُــدني يُـكَمِّلْـــني
عَزام زَقزوق
مُستَشارُ ومُدرِّبُ وإستراتيجـيُّ إدارةِ مشروعات
ما أَرقى وَأَنقى بَدءَ… مَسيرَةِ التَّغييرِ وَالنَّهضَةِ دائمًا مِن مُستَوى الاعترافِ بِأَنَّنا جَميعًـا مُقترِفُونَ لِـنِـسبَـةٍ مِـن باطِلٍ! أَو خَطَـأٍ! أَو وَهْمٍ! فَنُبادِرُ بِاجتِثاثِهـا مِن تَلافِيفِ أَدمِغَـتِنـا! وَدَواخِلِ أَنفُسِنا وَصُدُورِنا!
عندما أُعايِشُ رُدودَ أَفعالِ “Reactions” ولا أقول استِجابات “Responses” نُخَبِنا تجاهَ النَّقدِ والنُّصحِ المُوَجَّهِ لمَسيرَتِهِم وسِيرَتهِمُ التغييرية النهضوية… يَنتابُني الشعورُ بالحُزنِ، ويتمَلَّكُني الإحساسُ بالأسَفِ، لا بل والشُّعورُ بالرِّثاءِ لحالِ واقِعِنا، وما سيؤول إليه!
أكتفي بِتِبيانِ سبب شعوري هذا، ضمن مفهوم قَبول النَّقد والنصيحة من أيِّ كان…! نعم؛ من أيٍّ كان! وضَربِهِ للإنسانية المَثَلَ الأعلى في نفسه (صلى الله عليه وسلَّم) وصَحابته الكرام (رضي الله عنهم) أجمعين؛ في قَبولِ الحَقِّ والصَّوابِ والصَّحيحِ؛ حتى من عَدُوِّهِ…! أكتفي بدعوتِكُم لِتَذَوُّقِ وتأمُّلِ النصَّ الشَّرعِيَّ (Text) الآتِي:
“أَنَّ يَهُودِيًّا أَتَى النَّبِيَّ (صلى الله عليه وسلَّم) فَقَالَ: إِنَّكُمْ تُنَدِّدُونَ (أي تجعلون لله عزَّ وجلَّ نِدًّا) وَإنَّكُم تُشرِكُونَ؛ تَقُولُونَ: ما شاءَ اللَّهُ وَشِئتُ، وَتَقُولُونَ: وَالكَعبَةِ. فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وسلَّم) إذا أَرادوا أَن يَحلِفوا أَن يَقُولُوا: وَرَبِّ الكَعبَةِ. وَيَقُولوا: ما شاءَ اللَّهُ، ثُمَّ شِئت”
الرَّاوي: قُتَيْلَةَ بِنْتُ صَيْفِي الجُهَنِيِّ – المحَدِّث: الألبانيّ – المصدر: صحيح النَّسائيّ – الرقم (3782). خلاصة حكم المحَدِّث: صحيح.
لن أُعَلِّق على هذا النصِّ الشرعِيّ العَمَليّ الثابِتِ في قَبولِ الحَقِّ والصَّوابِ والصَّحيحِ من أيٍّ كان!! هذا فضلًا عن الأتباع والمريدين والأنصار!!
مَتى سَنُدركُ… فَنَتَدارَكُ… في ثَقافَتِنا العَرَبِيَّـةِ المعاصرة! وَلَيسَ فِـي أَصلِ إِسْلامِنا الأَغَرِّ! أَنَّ النُّصحَ وَالنَّقدَ، وَحَتَّى النَّقضَ! في حَقِيقَتِهِمْ هَدايا تُـهدى إِلَينا مِنَ الصَّديقِ وَالخَصمِ… عَلى حَدٍّ سَواء؟!!
فَفي واقعنا المعاصر هذا، مُجَرَّد نُصحِكَ وَنَقدِكَ لـِمَظاهِرِ الانحِطاطِ… وَظَواهِـرِ التَّخَلُّفِ… وَتَسمِيَتِهـا بِأَسمائِهـا، كَفِيلٌ بِجَعلِكَ فِي نَظَرِ الأَغْرارِ فِي مَقامِ مَنْ يُسِيءُ وَيُثَبِّـطُ! لا مَنْ يُبَـيِّنُ وَيُصَوِّب!!
وأختِمُ لهؤلاء الأفراد وتلك الكيانات بالتوجٍيهِ الذي كَتَبَهُ عمر بن عبدالعزيز (يرحمه الله) إلى عامِلِهِ في الموصل يحيى الغسّاني، وأَمْرِهِ إيّاه: “أَنْ يأخُذَ النَّاسَ بِالبَيِّنَةِ، وَما جَرَت عَلَيهِ السُّنَّةُ، فَإن لَم يُصلِحهُم الحَقُّ، فلا أصَلَحَهُم الله!”
نعم! مَن لا يُصلِحُهُ الحَقُّ، فلا أصلَحَهُ الله!!
التاريـــخ: 26، جُمادى الأُولى (05)، 1438هـ
الموافق: 10، كانون الثاني (01)، 2017م