“عَمَلِيَّاتُ العَقْلِ-المَفْتوح” (Open-Mind Surgeries) – حَلْقَة (21)
أَمَـا آنَ للتَّـأَرجُحِ البَـنْـدُولِـيِّ أَن يَستَقِرّ؟!
عَزام زَقزوق
مُستَشارُ ومُدرِّبُ وإستراتيجـيُّ إدارةِ مشروعات
اقتَـرحَ عَلَـيَّ إعلاميٌّ صديقٌ الكتابةَ حولَ أثَـرِ ظاهِرَةِ الكاتِبَةِ الرِّوائِيَّةِ، والطبيبةِ المِصرية، الـمدافِعَةِ عن حقوقِ الإنسان عامَّة! وحقوقِ المرأة خاصَّة!! والمُتَوَفَّاةِ مُؤَخَّرًا د. نَوال السِّعداوِي.
ولِقَناعَتي اليَقِينِيَّةِ الرَّاسِخَةِ بأنَّ ضمانَ صلاحِ أعمالِنا، وغُفرانِ ذنوبِنا، لا يتحقَّقُ إلَّا بِالعَدلِ والسَّدادِ في أقوالِنا… ابتِداءً؛ فقد عزَمتُ الكتابةَ مُبتَغِـيًا ومُتَّقِـيًا اللهَ ﷻ؛ بمُوجِبِ أمرِهِ الكريم: “يـا أَيُّـهـا الذِيـنَ آمَنُـوا اتَّــقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيـدًا، يُصْلِـحْ لَــكُمْ أَعْمالَـكُمْ وَيَغْفِرْ لَـكُمْ ذُنُوبَكُم…“(الأَحْزاب:71-70)
مِن حقائقِ الوُجودِ السُّنَنِيَّةِ أَنَّ التَّدافُعَ الحَضارِيَّ القائِمَ، وَالفِعْلَ وَرَدَّ الفِعْلِ (Reaction) السَّلْبِيِّ النَّاتِجِ عَنْهُ، لا بُدَّ مِنْ مُرُورِهِ ظاهِرِيًّا بِالتَّـأَرْجُحِ البَنْدُولِـيِّ (Pendulum Swing)! حَيْثُ يُفْتَقَدُ دَوْرُ الـمُنَظِّرِيـنَ… وَالقِيـادِيِّينَ… فِي تَعْجِيلِ اسْتِقْرارِ تَأَرْجُحِهِ! ثُمَّ قِيادَتِهِ لحالَــةِ الاسْتِجابَــةِ (Response) الإِيجابِيَّــةِ! قالَ تعالى: “… وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْض…“(البَقَـرَة:251) وظاهِرةُ الرَّاحِلَةِ د. السِّعداوِي ليسَت استِثـناءً…!
موضوعُ حقِّ المرأة ودَورِها في المجتمعات العربية المسلمة! هو جوهر ظاهرة د. السِّعداوِي؛ الذي أحدَثَتْهُ في واقعنا المعاصر… وهو موضوعٌ في الأصل، وَجِيهُ السَّبَبِ… عَظِيمُ الأثَرِ… ولَو لَم تَخُضْ فيه هي لَخاضَ فيه غيرُها بالضرورة (أمثال: السياسية الشركَسِيَّة الأردُنِيَّة تُوجان الفيصل…)؛ وذلك لاعتبار الحقيقة الفطرية أنَّ “الكَونَ يَكرَهُ الفَراغ“! ولأنَّ الحركات التغييرية الإسلامية المعاصرة قَصَّرَت عن مَلئِهِ، بَل وفَرَّطَت في تَحَمُّلِ مسؤوليتِهِ؛ فَهمًا… وتَصَوُّرًا… وسُلُوكًا… ولأنَّ ذات الحركات عُرِفَت بالـ”إسلامِيَّة“!! فقد أُلبِسَ ثوبُ تقصيرِها وتفريطِها الإسلامَ: الدِّينَ، والشريعَةَ، والـمِنهاج!
هذا هو السَّبَبُ الجَذرِيُّ الرَّئيسُ وراء فِتنَةِ/ظاهرَةِ الفعل ورَدِّ الفعل المذكورة أعلاه؛ والتي استهلَكَتْنا عُقودًا من الزمن… وما زالت…! وضرورةُ تَعَرُّضِنا للسَّببِ فيها (قبل الأَثَرِ…!) بالمعالجات العلمية المنهجية على أساس، وبموجب: النقل الصحيح، والعقل الصريح، والفطرة السليمة، وبآليَّةٍ أسالِيبُها: الأصالة، والمعاصرة، والإبداع! هو ما يجب أن يُعطى الأوَّلِّيَـةَ والأوْلَوِيَّـةَ؛ للخروج من حالة تخلُّفِنا وانحِطاطِنا!
أذكُرُ في محاولةٍ مُبَكِّرَةٍ، ومنذ أكثر من رُبع قرنٍ، أنِّي اشتَرَيتُ نسخةً من كتاب: “تحرير المرأةِ فِي عَصرِ الرِّسالَة” (دِراسَةٌ عن المرأَةِ جامِعَةٌ لِنُصوصِ القرآن الكريم وصَحِيحَيِ البخارِيّ ومُسلِم – ثلاثة مجلدات) لمؤلفه أ. عبدالحليم محمد أبو شُقَّة. وقمتُ حينها مع إحدى شَقِيقاتي (إبَّانَ دراسَتِها في كلية الشريعة) بإهدائه لمكتبة الجامعة الأردنية – عَمَّان. في محاولةٍ لإضاءَةِ شَمعَةٍ…! وللانطلاق مِمَّا/بِما هو حقٌّ، وصوابٌ، وصحيحٌ… والدفع بالاتجاه الصحيح الصائب؛ عِوَضًا عن مجرد لَعنِ الظلام…!!
لَيسَ مِنْ حَقِّـي! فِي مَسِيـرَتِـي التَّغيِيرِيَّةِ النَّـهضَوِيَّـةِ الإِسلامِيَّـةِ، الاستِـهجـانُ أَو العَـتَـبُ عَلى مَن مَـــلَأها نِسبِيًّـا! أَوْ حَتَّــى سَيَـمـــلَأها كُــلِّــيًّــا…!! فَـمَـثـــلًا؛ فَـراغُ عِلمِيَّـةِ (Scientism) المُهتَدِينَ! يُناسِبُهُ عَكسِيًّا امتِـلاءُ عَـلمانِـيَّةِ (Secularism) الضَّالِّيـنَ!! لا مَـحالَة. وبالتالي؛ لا عَجَبَ مِن أنَّ سَيفَنا في اللِّقاءاتِ مَثلُوم! وثَوبَنا في الإلقاءاتِ مَخرُوم!!
أَيْنَ للمرأة العربية والمسلمة المُعاصِرِةِ الـمَـفَرُّ؟! أَلا يَكفِيها، فِي ظِـلِّ تَعقِيداتِ الحَياةِ التَّراكُمِيَّةِ… تَكالِيفُ وواجِباتُ شَرِيعَـتِها الإِسْلامِيَّةِ الغَـرَّاءِ؛ حَتَّى يُثْقِلُوا كاهِلَـها! وَيُرْهِقُوا إِنسانِـيَّـتَها! بِتَكـالِيفِ وَثِـقَلِ: أَعرافِ، وَعاداتِ، وَتَقالِيدِ، وَبِدَعِ، مُجْتَمَعاتِـها العَرَبِـيَّـة الذُّكُورِيَّة؟!! نعم! إنَّ ذُكُورَتِي جِنْسٌ (Gender) فِطرِيٌّ… أمَّا رُجُولَتِـي (Manhood) فهي اخْتِيارٌ شَخْصِيّ…!
رُجولتُنا تقتَضِي تمكينَ المرأةِ في واقِعِنا من المبادَأةِ والمبادَرةِ بِحَملِ رايَةِ تغييرها الذاتيّ… بما ينعكس على “كُــلِّنا” بِمَزيدِ عِزَّةٍ، وكرامَةٍ، وخَيْرِيَّةٍ! لا أن نقوم بِقَمْعِها، وشَيْطَنَتِها، وعَدِّها مَصدَرَ شُرورٍ، ومَنشأَ آثام…!!
كم تُحزِنُني رؤيةُ فتاةٍ قد حُجِبَت طفولتها بحجابٍ شرعيٍّ قبل أوانِ بُلُوغِها!! كم تُؤسفُنِي صورةُ أُسْرَةٍ في وسائلِ التواصلِ الاجتماعيّ تجمع الأبَ والأولادَ دون أُمِّهِم!! كم أَرْثِــي حالَ تناقضٍ صارخٍ عند نسائنا حين يُساوِمْنَ بائعي الملابس الداخلية! ويتَحَرَّجْنَ في المقابل عن الكلام مع قريبٍ، أو صديقٍ، أو زميلِ عمل!! كم يُسِيئُني منسوبُ الوَرَعِ الكاذِب، والتمثيلِ المبتَذَلِ، في تواصل رجال ونساء واقعنا! والعجيب! أنَّ مُجرّدَ إعلانك عن رأيك هذا يجعلُك في قَفَصِ الاتِّهامِ الاجتماعيّ؛ ويُعَرِّضُك للاغتِيالِ المعنَوِيّ!!
قِـلَّـةُ حِيلَتِـنـا… وَهَوانُ أَمرِنـا… فِي النَّـاسِ سَبَبُهُما: إِسلامِيٌّ مُتَـشَدِّدٌ مُغـالٍ؛ مَثَّــلَ دِينَـنا! وعَـلمانِيٌّ مُتَـغَرِّبٌ مُجافٍ؛ مَثَّـلَ دُنيـانا! وإلَّا؛ فتَأَمَّلُوا معي هذا الرُّشْد: “… فَشَرِبَ قائِـمًـا، فَقـالَ: إِنَّ نــاسًـا يَـــكْـرَهُ أَحَدُهُـمْ أَنْ يَـشْرَبَ وَهُوَ قائِـمٌ، وَإِنِّــي رَأَيْـتُ النَّبِــيَّ ﷺ فَعَــلَ كَما رَأَيْـتُـمُونِــي فَعَــلْـت“(عَلِـيُّ بْـن أَبِــي طــالِـب رضي الله عنه – البُخـارِيّ)
اللهُمَّ! إنِّي أُشهِدُكَ، وعن تَجرِبةٍ مَعِيشَةٍ مَعَ مَن يُعرَفُونَ ويُعَرَّفُونَ بــ”الإسلامِيِّيـنَ“!! أنَّ غالِبِيَّتَـهُم مِن أَعصى الخَلْقِ عن قَبولِ النَّقْدِ…!! نعم؛ أعصاهُم لِـما ثَبَتَ عن رسول رب العالمين ﷺ: “أَنَّ يَهُودِيًّا أَتى النَّبِيَّ ﷺ فَقالَ: إِنَّكُمْ تُنَدِّدُونَ، وَإِنَّكُمْ تُشْرِكُونَ… فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ إِذا أَرادُوا أَنْ يَحْـلِفُوا أَنْ يَقُولُوا: وَرَبِّ الـكَـعْـبَـةِ، وَيَـقُولُوا: مـا شاءَ اللَّهُ، ثُـمَّ شِئْـت“(مُحَمَّد ﷺ – صَحِيحُ النَّسائِـيّ) فتَجِدُ أحدَهُم في الواقِع: “يُبْصِرُ القَذى فِي عَيْـنِ أَخِيهِ وَيَنْسى الجِذْعَ فِي عَيْنِه“(مُـحَـمَّـد ﷺ – صَحِيـحُ الجامِـع). وهذا العِصيانُ لله ﷻ ورسوله ﷺ هو من أهمِّ أسبابِ إحداثِ رَدِّ الفِعلِ المذكور… لا بل و”تَمَتْـرُسِ” الآخَر وراءَه!
نِسبِيًّا؛ ألا يشفعُ للراحلة، من الناحية الفِطريَّة، أنها امْرأَةٌ؟! وبالتالي؛ وُجوبُ إعذارِنا وتفهُّمِنا لِتَوَجُّهِها النفسيِّ العقليِّ (Attitude)؛ والذي اتَّسَمَ بالانفعاليَّةِ والعاطِفِيَّةِ الفِطريَّةِ في تعاطيها معالجاتها الاجتماعية وما كان منها؛ شخصًا ونِتاجًا؟! أَلَسْنا مَن يُكَرِّرُ ما رُوِيَ عن سيِّد العدل الإنسانيِّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “أَعقَلُ الناسِ أَعْذَرُهُم للنَّاس“؟!!
بَدَلَ الاستِغْراقِ والغَرَقِ في آثارِ (Effects) ظاهرة د. السِّعداوِي بأسلوبٍ سلبيٍّ تآكُليٍّ؛ بالانحطاط في مستنقع شَهْواتِ: الإفحام (إسْكاتُ المرءِ بِحُجَجِهِ وَعِلْمِهِ)، والانتقام، والشَّتْم، والتَّوصِيفات؛ من قَبِيلِ: “حَيْزَبُونَ” (أي عَجوزٌ سيِّئةُ الخُلُق) و”حَمَّالَةَ الحَطَب“… إلخ! بدل ذلك؛ أن نقوم بِسَحْبِ فَتِيلِ الانفِجارِ… والتعاطي بأسلوبٍ إيجابيٍّ تكامُليٍّ؛ بإقرار ما في هذه الآثار من حقٍّ، وصوابٍ، وصحيحٍ! مع تِبْيانِ ما فيها من باطلٍ، وضلالٍ، وانحِرافٍ، وإساءَة…! أليس هذا هو المنهجُ الأَقْوَمُ في تَفكِيكِ الظواهِرِ ومعالجَتِها؟! أو كما تَشِي لَطافَةُ العبارةِ الشعبيةِ المِصرية: “فُكَّهـا شْوَيَّـة“!
الضَّالُّونَ فِكْرًا! وَالمُنْحَرِفُونَ سُلُوكًـا! مَثَـلُهُمْ فِي جَسَدِ الأُمَّةِ الإسلامِيَّةِ كَمَثَـلِ الجَراثِيمِ وَالفَيْرُوساتِ بِأَصْنـافِهـا الـمُخْتَــلِفَةِ وَالـمُتَنَوِّعَةِ فِي أَجْسامِنـا…! الغايَــةُ وَالعِـبْـرَةُ لَـيْـسَ بِإِفْنائِها! وَإِنَّما بِتَعافِ وَعافِيَةِ مُقاوَمَةِ جِهازِ مَنـاعَتِـنـا! وذلك بِجَعلِها… واتِّخاذِها… لَقاحات!
واللهُ وَليُّ التَّوفيقِ والهادِي إليه،،،
التاريـــخ: 10، شعبان (08)، 1442هـ
الموافق: 23، آذار (03)، 2021م