المزيد من نتائج البحث...

Generic selectors
Exact matches only
Search in title
Search in content
Post Type Selectors
Search in posts
Search in pages
portfolio

“عَمَلِيَّاتُ العَقْلِ-المَفْتوح” (Open-Mind Surgeries) – حَلْقَة (27)

فِـلَسْطِينِــيٌّ… يَنْشُدُ هُوِيَّـة!

Picture of عَزام زَقزوق

عَزام زَقزوق

مُستَشارُ ومُدرِّبُ وإستراتيجـيُّ إدارةِ مشروعات

الهُوِيَّةُ مَصدَرٌ صِناعِـيٌّ مِن “هُوَ“؛ وَالتي يُطلِقُها الفَلاسِفَةُ بِمَعنى الحَقيقَةِ المُطلَقَة. وبالتَّالي؛ تكونُ النِّسبَةُ إلَيها بالـ “هُوِيَّةِ” للدَّلالَةِ على حَقِيقَةِ الأمرِ، أو حَقِيقَةِ ماهِيَّةِ الشَّيءِ، وبهذا يُفهَمُ أنَّ بَحثَ الفِلَسْطِينِيَّ عَن هُوِيَّتِهِ هُو -في الواقِع والحالِ- بَحثٌ عَن حَقِيقَتِهِ المُطلَقَةِ في الوُجود.

قبلَ أكثرَ مِن ثلاثةِ عُقودٍ، إبَّانَ دراسَتي الجامِعِيَّة، سَمِعتُ عن كتابٍ للقِيادِيِّ البارِزِ والمُؤَسِّسِ في حَركَةِ التَّحريرِ الوَطَنِيِّ الفِلَسْطِينِيِّ (فَتْح) أبو إياد صَلاح خَلَف، بِعُنوان: “فِلَسْطِينِيٌّ بِلا هُوِيَّة“، وَلِاهتِمامِي بالكِتاب، وكاتِبِه؛ طَلَبتُ من أَحَدِ الأصدقاءِ ابتِياعَه من مَكتَبَةٍ في دَولةِ الكُوَيت؛ حَيثُ كان يُقيم.

وَما أنْ أحضَرَهُ حتى طَفِقْتُ أقرأُهُ، مُلتَهِمًا سُطورَهُ وَما بَيْنَـها، وكَم انذَهَلتُ لِـمَنسُوبِ: الصَّراحَةِ، والوُضوحِ، والشَّفافِيَّةِ عِندَ هذا القائِدِ الفِلَسْطِينيّ المُؤَسِّسِ في كَلامِهِ عَن سِيرَةِ حَرَكَةِ (فَتْح)، ومَسِيرَتِها، ومآلِها، وتَنَبُّئِهِ بِمُستَقبَلِها! والكِتابُ في الأساسِ مُؤلَّفٌ من مَضامِينِ حِواراتٍ مُطوَّلَةٍ معَ الصِّحافِيِّ المُؤَرِّخِ، والدِّبلُوماسِيِّ الفَرَنْسِيِّ، المِصرِيِّ الأَصلِ، وَالشُّيُوعِيِّ الفِكرِ، واليَهُودِيِّ الدِّيانَةِ (إيريك رولو) حيث التَقاهُ أبو إياد في بيروت – لبنان، نِهايَةَ سَبعِينِيَّات القَرنِ الميلادِيِّ الماضي.

وَلِشَغَفي الشَّديدِ بالكِتابِ لم أركَن إلى قِراءَتي الأولى؛ فَثَنَّيتُ بأخرى، واضِعًا خُطوطًا تحتَ الجُمَلِ والفَقْراتِ الجَوهَريَّة، طامِعًا بِمَزيدِ استِيعابٍ وهَضْمٍ لحقائقِهِ ووَقائعِهِ، التي تَضَمَّنَتْها أكثرُ من مائَتَيْ صفحَةٍ؛ حيثُ نَفَذَت إلى تَلافِيفِ دِماغي، وحَنايا صَدرِي، ولامَسَت عندِي صَمِيمَ الهَمِّ والاهتِمامِ والهِمَّة!

وَلِشِدَّةِ تَأَثُّرِي به باشَرتُ البَلاغَ بحقائِقِهِ، ووقائِعِهِ غَيرِ المَسبُوقِ تَناوُلُها… فحَبَّبَ إِلَـيَّ بعضُ إخواني وقَتَها القِيامَ بإلقاءِ مُحاضَرَةٍ حَولَ مَضمونِهِ في اتِّحادِ الطَّلَبَةِ المُسلِمِين (MSU) – بُونا – الهِند. وما أن تسامَعَ شبابُ الاتِّحادِ العامِّ لِطَلَبَة فِلَسْطِين (GUPS) في نفس المدينة، بِما كان مِنَّا، شَخصًا واتِّحادًا، حتى بادَرُوا بِسَحبِ نُسَخِهِ من مَكتَبَةِ اتِّحادِهِم، بِحَسَبِ تأكيد بعضِهِم، وذلك للحَدِّ من أَثَرِ حقائِقِهِ وَوقائِعِه؛ وبالذَّات أنَّ ذلك تَزامَنَ مع قَبولِ المُمَثِّلِ الوَحيدِ، والأَوحَد للشَّعبِ الفِلَسطِينِيِّ (مُنظَّمَةُ التَّحريرِ الفِلَسْطِينِيَّة (PLO) وعَمُودِها الفِقْرِيّ “فَتْح“) الدُّخولَ في عَمَلِيَّة السَّلامِ العَرَبِيَّةِ الإسرائِيلِيَّةِ – خِلالَ مُؤتَمَرِ مَدْريدِ في إسبانيا (1991م)، الذي شارَكَت في رعايَتِهِ الوِلاياتُ المتَّحِدَةُ الأمِيرِكِيَّةُ والاتِّحادُ السُّوفْيِيتيُّ آنَذاك.

كُنَّا نعيشُ وَقتَها تَدافُعًا سِياسِيًّا حامِـيَ الوَطِيسِ مَعَ التَّوَجُّهاتِ العَلمانِيَّةِ (فَتْح) واليَسارِيَّةِ (الجَبْهات: الشَّعبِيَّة، والدِّيمُقراطِيَّة، والقِيادَة العامَّة… إلخ) وكُنتُ مُنخَرِطًا في عَرينِ التَّوَجُّهِ الإسلامِيِّ، ونَصيرًا عامِلًا على بَلوَرَةِ البَديلِ الإسلامِيِّ في حَرَكَةِ تَحَرُّرِنا الفِلَسْطِينِيِّ… وهُو ما تَخَلَّقَت من أجلِهِ، ومِن ثُمَّ وُلِدَت حَرَكَةُ المقاوَمَةِ الإسلامِيَّةِ (حماس) من رَحِمِ حركَةِ الإخوانِ المسلِمينَ العالَـمِيَّة.

وقد ساهَمَتْ حَقائِقُ الكِتابِ وَوَقائِعُهُ، ومُحاضَرَتي حَولَهُ، في خَلخَلَةِ الأَساسِ المَنْطِقِيِّ (Rationale) الذي قامَ عليه العملُ الطُلَّابِيُّ التَّعبَوِيُّ الفِلَسْطِينِيّ، وبالذات منه الفَتْحاوِيّ!!

مُعتَصَرُ كتاب “فِلَسطِينِيّ بِلا هُوِيَّة” كان في آخِرِ فَقْرَتَيْ فَصلِهِ الأخِير، حيث شَكَّـلَتا خُلاصَةَ ماضٍ، وحاضرٍ، ونُبوءَةٍ بِمُستَقبَلِ حَرَكَتِهِ (فتْح)؛ ونَصُّهُما الآتي:

إِنَّ ما أَورَدناهُ، وما أَسلَفْناهُ، لا يَبعَثُ على التَّفاؤل. ويَقينًا أنَّ دَوْرِي كقائِدٍ ثَورِيٍّ هو بَثُّ الأمَلِ، وتعزيزُ بَواعِثِ شعبِنا على مُواصَلَةِ المعركة. إلَّا أنَّ واجِبِي، مع ذلِكَ، هو عَدَمُ خِداعِهِ، وتَغذِيَتِهِ بالأوْهامِ التي يَفوقُ خَطَرُها خَطَر خَيْباتِ الأمَلِ الموجِعَة. وأَنا أقولُها بِصَراحَةٍ: إنِّي لا أعتَقِدُ أَنَّ جِيلِي سَيَحظى بِفَرحَةِ رُؤيةِ وِلادَةِ دَولَةٍ مُستَقِلَّةٍ، حتى على جُزءٍ مُتَناهِي الصِّغَرِ مِن فِلَسْطِين… إلخ” الفقرة قبل الأخيرة.

الفَقْرَةُ الأخيرَة: “غَيرَ أنَّ شَعبَنا سَيَـلِدُ ثَورَةً جَديدَةً، ويُنجِبُ حَرَكَةً أعظَمَ بأسًا مِن حَرَكَتِنا، وقادَةً أكثَرَ دِرايَةٍ وتَجريبًا وَأَشَدَّ خَطَرًا، مِن ثَمَّ على الصَّهايِنَةِ. فإرادَةُ الفِلَسطينِيِّينَ، التي لا تُرَدُّ في مُواصَلَةِ المعرَكَةِ كائنًا ما كانَت الظروف، حَقيقَةٌ لا تَأتِيها الرِّيبَةُ مِن بَينِ يَدَيْها، ولا مِن خَلفِها. بل إنَّها إرادَةٌ تُملِيها طَبيعَةُ الأشياء. وَنَحنُ عازِمُونَ على البَقاءِ كَشَعبٍ، وسَيَكونُ لَنا ذاتَ يَومٍ وَطَن(الصَّفحَتانِ الأخِيرَتان:214-215)

اغتَنَمنا الفُرصَةَ وبَشَّرنا، نحنُ أبناءَ التَّوَجُّهِ الإسلامِيِّ، بِظُهورِ كِياناتِنا الإسلامِيِّةِ الفِلَسْطِينِيَّةِ!! واحتَفَلنا بعَمُودِها الفِقْرِيِّ (حَماس) فاعتُبِرَ تَحَرُّكُنا بِمَثابَةِ “ضَربَةِ مُعَلِّمسِياسِيَّةٍ! وفَّرَت لنا أساسًا مَنطِقِيًّا مَقبُولًا، وإطارًا عَمَلِيَّا مُبَرَّرًا، لِسَنَوات.

كحقيقَةٍ مَعلومَةٍ من عِلمِ السِّياسَةِ بالضَّرُورَةِ أن ثَمَّةَ فَرقٌ بين عالِمِ السياسَةِ (Political Scientist) ورَجُلِ السِّياسَةِ/السِّياسِيِّ (Politician) ولَطالَـما خُذِلَ الفِلَسْطِينِيُّ من رِجالِ السِّياسَةِ/السِّياسِيِّينَ! وَأُتِيَ من قِبَلِهِم!! وَإلَّا؛ فَهُوَ لِـما في ثقافَتِهِ وتَوَجُّهِهِ النَّفسِيِّ العَقلِيِّ (Attitude) من: تَنْفِيذِيَّةٍ، وَجُنْدِيَّةٍ، وشِدَّةِ شَكِيمَةٍ، وأَنَفَةٍ، وصُعوبَةِ مِراسٍ، وَإباءٍأُنمُوذَجٌ في المواجَهَةِ، والنِّضالِ، والكِفاح، والجِهاد…!

العِبْرَةُ بِكَمـالِ النِّهاياتِ لا بِقُصُورِ البِداياتِ؛ ومُجْتَمَعُنـا الفِلَسْطِينِــيُّ (يُقارِبُ تَعدادُهُ الأربَعَةَ عَشرَ مِليونًا) واعٍ وَشَدِيـدُ الـمِراسِ؛ وبِالتَّالي فَـإِنَّ مَـنْ أَوْجَـدَ “فَتْحًا” عَلى قُصُورِ بِداياتِهـا وَنِهاياتِها! وَ “حَـماسًا” عَلــى قُصُـورِ بِداياتِـهـا! وَأَعْـراضِ قُصُـورِ نِـهـايـاتِـهـا! قادِرٌ -بِإِذْنِ اللهِ- عَلـى إِجْراءِ التَّـقْيِـيــمِ! وَالتَّـقْوِيـم!!

الكِبرُ النِّسبِيُّ والفَوقِيَّةُ والاستِعلاءُ كامِنٌ عند قِيادَتِهِم، وهذا ماثِلٌ بِتَجارِبَ ووَقائعَ يَقِينِيَّةٍ؛ منها: الحِرصُ على لَمِّ الهِباتِ، وَجَمْعِ التَّبَرُّعات! وَتَجِدُهُم فِي الوَقْتِ ذاتِـهِ مُتَـأَبِّيـنَ عَلــى النُّصْـحِ! مُسْتَعْصِيـنَ عَـلى المُـلاحَظات! هذا مَعَ تَمَلُّقِهِم حكومة إيرانَ الشِّيعِيَّةِ الرَّافِضِيَّةِ الاثنَيْ عَشرِيَّةَ وَمُداهَنَتِها (Flattery)! وليس مجرد مُداراتِها وَمُجامَلَتِها (Compliment)! وهذا جَلِيٌّ بِوَقائِعَ وَصُوَرٍ؛ منها: السُّكوتُ عَن اسْتِنْباتِ نَـوى تَشَيُّعٍ وَبُذُورِ رَفْضٍ فِي واقِعِ المجتَمَعِ الفِلَسْطِينِيّ! والحِرصُ الدَّوْرِيُّ المُريبِ على: التَّعازِي، والتَّمادُحِ، وَرَدِّ التَّحِيَّات بِتَحِيَّاتٍ خَيرٍ مِنها، مع حكومة إيران، وأذرُعِها، ووُكلائِها!! كما تَجِدُ أنَّ هَامِــشَ مُنــاوَراتِهِم مَـرْهُونٌ دائمًا بِمَنْسُوبِ حِـيلَةِ ودَهاءِ: ناظِمِي إيقاعِهِم، وَأَعضائِهِم! وَلَيْسَ بِما/لِما مُؤَدَّاهُ: الحَقَّ (ضِدَّ الباطِل) أَوِ الصَّوابَ (ضِدَّ الخَطَأِ) أَوِ الصَّحِيحَ (ضِدَّ الضَّعِيف)!

وتَجَنُّبًا لازدِواجِيَّةِ المِعيارِ في التَّقْيِيمِ والتَّقْوِيمِ، ودَرءًا لما قَد يُصطادُ فِيهِ مِن عَكَرِ ماءٍ؛ فإنَّنا نُؤَكِّد على حَقِيقَةِ أنَّ تَركِيزَ نَقدِنا الحالي على حَركَةِ المقاوَمَةِ الإسلامِيَّةِ (حماس) ونُصحِنا لها، نابِعٌ من واقِعِ تَمثيلِها العَمُودَ الفِقْرِيَّ للاتجاهِ التَّحَرُّرِيِّ الفِلَسطِينيِّ الإسلامِيِّ…! كما كان الحالُ في نَقدِنا ونُصحِنا لِحرَكَةِ التَّحَرُّرِ الوَطَنِيّ الفِلَسطِينيّ (فتْح) من قبل. نعم! يُشهَدُ لـ “حماس” أنَّها مُؤَهَّلَةٌ باعتِبارِها “حَرَكَةَ مُقاوَمَةٍ” لكن لا يُشهَدُ، ولا يُقَرُّ، لها بأنَّها مُؤَهَّلَةٌ باعتِبارِها “إسلامِيَّةً“… وعليه؛ بِتْنا نَتَفَهَّمُ المرتَكَزَ المنطِقِيَّ لِمَن يُنادُونَ بِشَطْبِ كَلِمَةِ الـ “إِسلامِيَّةِ” من اسمِها الرَّسمِيِّ، مِمَّن هُم مُتَوارُونَ في صَفِّها!

أمَّا الـمُقارَبَةُ الواجِبَةُ للحَلِّ الـمَفْرُوضِ فهِيَ بِتَواضُعِ عُلَماءِ السِّياسَةِ (عِلمًا ومَعرِفَةً “Knowledge”) ورجالِها (مُمارَسَةً وتَجرِبَةً “Experience”) وَتَصابُرِهِم عَلى بِناءِ: النَّظَرِيَّةِ السِّياسِيَّةِ الإِسْلامِيَّةِ الـمِعْيارِيَّةِ الـمَرْجِعِيَّةِ (نَـسامّ) لِأَنْفُسِهِمْ أَوَّلًا، وَلِـمَـنْ يَـمْـشُونَ فِـي رِكـابِـهِمْ آخِـرًا.

بِاعتِبارِي مُسلِمًا مُوَحِّدًا (قَدَّرَ البارئُ ﷻ لِـي أنْ أَكُونَ: إنسانًا، عَرَبِيًّا، شامِيًّا، فِلَسْطِينِيًّا) فإنَّهُوِيَّتيفي الوُجُودِ (Ontology) هِيَ حَقيقَةُ ما أَرجُو أَن أكونَ عَليهِ لَحظَةَ انقِطاعِ نَفَسِي، وَرُجوعِ نَفْسِي إلى بارئِها؛ حَيثُ لَنْ أُسَأَلْ عَن سَبْقِي في التَّحرير! وإنَّما عن صِدْقِي في الاتِّباع! قال ربُّ العالَـمِين: “إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْدًا(مَريَم:93)

يا حَيُّ يا قَيُّوم بِرَحمَتِكَ نَستَغِيثُ! أصلِح لَنا شَأنَنا كُلَّهُ، ولا تَكِلنا إلى أنفُسِنا طَرْفَة عَيْن،،،

التاريـــخ: 09، رجَب (07)، 1443هـ

الموافق: 10، فبراير (02)، 2022م