“عَمَلِيَّاتُ العَقْلِ-المَفْتوح” (Open-Mind Surgeries) – حَلْقَة (16)
حَماس: بَين التَّبْريـرِ وَالتَّسْويـغِ
عَزام زَقزوق
مُستَشارُ ومُدرِّبُ وإستراتيجـيُّ إدارةِ مشروعات
إنَّ التَّبْـريرَ “Justification” هو: الشَّرحُ والتَّعليلُ والتَّزكِيَةُ لأسبابٍ صَحيحةٍ مَقبولَةٍ ومُوجِبَةٍ لاعتقادٍ أو سُلوكٍ ما. أما التَّسْويغُ “Rationalization” فهو: إباحَةُ وتَسْويلُ وعَقْلَنَةُ أسبابٍ مُبتَدَعَةٍ مُرضِيَةٍ للنفسِ في اعتِقادٍ أو سُلوكٍ ما، لكنَّها غيرُ صائبةٍ أو صَحيحةٍ ولا مَقبولة. فمَثلًا، سُلوكُ المعصِيَةِ بسبَبِ جهلِ الحُكمِ أو النِّسيانِ أو الإكْراه، يُعَدُّ “تبْريرًا” يُعذِرُ صاحِبَهُ ويُعذَرُ به… أَمَّا سُلوكُهُ بأسبابٍ مُفتَعَلَةٍ يَبتَدِعُها ويَدَّعيها، فيُعَدُّ مُجَرَّد “تَسْويغٍ” لا يُعذِرُ صاحِبَهُ ولا يُعذَرُ به. وَوَجَدتُ الالتِباسَ اللُّغَوِيِّ حول هاتَيْن الكَلِمَتَيْن عند بعضِ المُتَخَصِّصِين!
أَوَدُّ التمهيدَ لمَقالي هذا بِمُسَلَّمَةٍ فِطْريةٍ سليمَةٍ مُفادُها: “أنَّ الكَـوْنَ يَكْرَهُ الفَراغَ…! وَلَوْ نَفَخْنـا فِيهِ بالُونًـا سَيُخَيَّــلُ إِلـى الـرَّائِـــي امْتِــلاؤُهُ؛ وَلـكِـنْ بِمـاذا؟! بِمُجَـرَّدِ خَواءٍ أَوْ هَـواءٍ!! وَعَـلَـيْـهِ؛ فَلْيَـتَـبَصَّــرِ الـمُدِيــرُونَ وَالقائِــدُونَ امْتِـلاءَهُـمْ! وَمـا يَـمْـلَـؤُون!!“.
نعم؛ نحنُ نُسلِّمُ لحَركَةِ المقاوَمَةِ الإسلامِيَّةِ (حماس) بأنها، في ظِلِّ الفَراغِ القائِمِ وحالَةِ الانكِشافِ البَيِّن، تُعتَبَرُ من خَيرِ المَوجودِ… لكنها بالمقابِلِ دونَ المَنْشودِ… وَبِكَثير. والشِّقُّ الأخيرُ من مُسَلَّمَتِنا أعلاه هو ما سَيُثبِتُهُ مَقالُنا الآتي… وإن شِئتُم القَولَ: تحقيقُ عُمْقِ النَّظَرِ، وتَوازُنِ النَّظرَةِ؛ باستيعابِ الجانِبِ الفارغِ من الكأسِ! لِيَقينِنا بأنَّ الجانِبَ المَــلآنَ له مُوَظَّفوهُ، مِمَّن اعتادوا تَوَلِّيهِ! لا بل وَغالَوا فيه! مِنَ الأتباعِ الحِزبِيِّين! والأنصارِ المُقَلِّدِين! فالشَّخصُ السَّوِيُّ لا يَعيبُهُ حُبُّ حَرَكَةِ (حماس) لكن يَعيبُهُ قَبولُ أن يكونَ “حَمْساوِيًّا“… كما لا يَعيبُني حُبُّ علي بن أبي طالب رضي الله عنه، لكن يَعيبُني قَبولُ أن أكونَ “عَلَوِيًّا“… وهكذا.
إنَّ حَرَكَةَ (حَماس)؛ أضْحَت -قانونِيًّا- مُنَظَّمَةً فِلَسطينِيَّةً عَربيَّةً إسلامِيَّةً إنسانِيَّةً، ذاتَ شَخصِيَّةٍ مَعنَويَّةٍ عامَّة. وعليه؛ فإنَّ تَعاطِينا معها في مَقالِنا/خِطابِنا المَفتوحِ “Open letter” سيكونُ على هذا الأساسِ القانونيّ.
كم استَبْشَرنا بِوِلادةِ حَركَةِ (حماس)! ولَطالما تَجَشَّمْنا عَناءَ حُبِّها ومُوالاتِها ونُصرَتِها خِلالَ العُقودِ الثلاثةِ الماضيةِ، واحتَرَمْنا قادَتَها، وما زلنا… وكان، وما زال، من مُقتَضَياتِ حُبِّنا واحتِرامِنا لهم نَصرِهِم مَظلومين… أو ظالمين… وبطبيعَةِ شريعَتِنا ومِنهاجِنا الإسلامِيَّيْن؛ فإنَّ النَّصرَ للظالمين يكونُ بِمَنعِهِم/حَجْزِهِم/الأَخْذِ فَوْقَ أَيْدِيهِم من كافَّةِ مَظاهِرِ الظُّلمِ؛ بِأَيدينا أو بِأَلسِنَتِنا أو بِقُلوبِنا، وذلك أضعَفُ الإيمان.
ليسَ في الوُجودِ إلا اللهَ ﷻ من هو أقدَرُ على وَصفِ مَشاعِرِ وحماسِ ذاك الشاب الجامِعيّ في واحِدَةٍ من أنشَطِ الساحاتِ الطلابيةِ العالميةِ سياسِيًّا (مدينة بُونـا-الهند)، وهو حامِلٌ بِيَدَيْهِ مِئاتٍ من نُسَخِ البيانِ الأولِ لحركَةِ المقاومَةِ الإسلامِيَّةِ (ولم يكن البَيانُ حينَها مَوْسومًا باللَّفظَةِ الأوائِلِيَّةِ “Acronym” “حَماس“)، باحِثًا بِشَغَفٍ عن أصحابِ السَّحَناتِ العَربيَّةِ كي يُسَلِّمَهُم إيّاهُ باعتِزازِ وكَرامَةِ واستِبشارِ أَوانِ الحلِّ الإسلاميِّ في تحريرِ الإنسانِ الفلسطينيِّ العربيِّ المُسلِم… بِمُقابِلِ حُلولِ العَلمانِيِّين، واليَسارِيِّين، والقَومِيِّين آنَذاك. نَعَم، لم يَخطُر بِبالِ ذاكَ الشاب من بعد ثلاثين عامًا أن يكتُبَ مَقالَهُ هذا حول خَلطِ حَركَةِ (حماس) تَبريراتِها بمُسَوِّغاتِها… وانطِلاءِ! مُسَوِّغاتِ مَواقِفِها العِلمِيَّةِ والعَمَلِيَّةِ على قَلِيلِـي الخِبرَةِ من الناس.
أُقولُ وَأُؤَكِّدُ هذا بِوَصفي إنسانًا أوَّلًا… فمُسلِمًا، فعَرَبِيًّا فَشامِيًّا فَفِلَسطينِيًّا، عاشَ تَجرِبَةَ حَرَكَة (حماس) منذ تاريخِ نشأتِها، بل وما قبل نشأتِها… وَإنِّي مُلتَزِمٌ بمسؤولياتِ دَوائِري المُتَراكِزَةِ “Concentric” المذكورة في الوُجود، حتى ألقى ربَّ الوُجودِ ﷻ. وهذا كُلُّهُ ضِمنَ اعتِقادي ويَقيني بما هو حَقٌّ وصَوابٌ وصَحيح، حتى يَستَبين لي غيرُ/عكسُ ذلك. وعليه؛ فإنَّ أمرَ ربِّ العالمين لرسولِهِ ﷺ ومَن اتَّبَعَهُ من “صحابَتِهِ” رضي الله عنهم، ومَن أتى بَعدَهُم مِن “إخوانِهِ“… بقوله ﷻ: “قُلۡ هَٰذِهِۦ سَبِيلِيٓ أَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا۠ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِيۖ وَسُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ” (يوسُف:108) هذا الأمرُ الإلهيُّ آكَدُ وأَلزَمُ لـ “إِخـوانِ” رسولِ اللهِ ﷺ في هذا العَصرِ… أكثرُ مِمّا كان مُؤَكِّدًا ومُلزِمًا لمحمَّدٍ ﷺ و “صَحابَتِهِ” رضي الله عنهم بالسَّيرِ على بَصيرةٍ (أي عُمْقُ الفَهْم، وَقُوَّةُ الإدراك) من أمرِنا، وأمرِ مَن استَرعَيْناهُم أمرَنا، وسِرنا في رِكابِهِم رَدحًا من عُمُرِنا… وبِوَصفي أيضًا شخصًا من سَجِيّاتي أَنِّي: بِأَخلاقِ القَومِ خَبِيرٌ ** وَلَيسَ عَلَـيَّ في المَقالِ أَمِيرٌ!
إنَّ الشخصَ أوِ الكِيانَ الإسلامِيَّ التَّغيِيرِيَّ النهضويّ “الصائِبَ“ في مَسيرَتِهِ، والجِهادِيَّ التَّحَرُّرِيَّ “المُخلِصَ“ لرَبِّهِ ﷻ، لا يُهَوِّنُ ولا يُهينُ مَن يَنقُدَهُ أو يَنصَحَهُ؛ باتِّهامِهِ تارَةً بالمُزايَدَةِ… وَتارَةً بِتَجاوُزِ “بْروتوكولاتِ” التَّكريمِ والاحتِرام… وأخرى بعَدَمِ التزامِهِ الحِكمَةَ، وحُسنَ التَّأتِّي، وَالتَّوْقِيتَ… إلخ من أشكالِ التَّلَكُّؤِ، والمُسَوِّغاتِ المفتَعَلَةِ؛ بالتَّعَذُّرِ عن قَبولِ النَّقدِ البَنَّاء والنُّصحِ الشَّرعيّ… ودَليلُنا المَرجِعِيُّ على ما نقولُ ما ثَبَتَ من سيرة رسولِ رَبِّ العالمين ﷺ في تَعاطيهِ مع النَّقدِ والنُّصحِ، حتى مِن/مع أعدائِهِ وخُصومِهِ! فضلًا عن صَحابَتِهِ ومُتَّبِعيهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم. أما الدَّليلُ الأوَّلُ منهما؛ “أَنَّ يَهُودِيًّا أَتى النَّبِيَّ ﷺ فَقالَ: إِنَّكُمْ تُنَدِّدُونَ (أي تَجعَلونَ للهِ ﷻ نِدًّا)، وَإِنَّكُمْ تُشْرِكُونَ؛ تَقُولُونَ: ما شاءَ اللَّهُ وَشِئْتُ، وَتَقُولُونَ: وَالكَعْبَةِ. فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ إذا أَرادوا أَن يَحلِفوا أَن يَقُولُوا: وَرَبِّ الكَعْبَةِ. وَيَقُولونَ: ما شاءَ اللَّهُ، ثُمَّ شِئْتُ” الرَّاوي: قُتَيْلَةَ بِنْتُ صَيْفِي الْجُهَنِيِّ رضي الله عنها – المحَدِّث: الألبانيّ – المصدر: صحيح النَّسائيّ – الرقم “3782”. خلاصة حكم المحَدِّث: صحيح. والدليلُ الثاني؛ “نَزَلْنا مَعَ النبيِّ ﷺ خَيْبَرَ ومَعَهُ مَن مَعَهُ مِن أصحابِهِ وكانَ صاحِبُ خَيْبَرَ رَجُلًا مارِدًا مُنكَرًا فأقبَلَ إلى النبيِّ ﷺ فقال: يا محمّدُ؛ ألَكُم أن تَذبَحُوا حُمُرَنا، وتَأكُلوا ثَمَرَنا، وتَضْرِبوا نِساءَنا؟! فَغَضِبَ النبيُّ ﷺ وقال: يا ابنَ عوفٍ اركبْ فرسَك ثم نادِ: ألا إنَّ الجَنَّةَ لا تَحِلُّ إلا لمؤمنٍ، وأنِ اجتَمِعوا للصَّلاةِ. قال: فاجتَمَعوا. ثُمَّ صلَّى بهمُ النبيُّ ﷺ مُتَّكِئًا، ثم قام فقال: أَيَحْسَبُ أَحَدُكُمْ مُتَّكِئًا عَلى أَرِيكَتِهِ قَدْ يَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ ﷻ لَمْ يُحَرِّمْ شَيْئًا إِلا ما فِي هَذا الْقُرْآنِ! أَلا وَإِنِّي وَاللَّهِ قَدْ أَمَرْتُ وَوَعَظْتُ وَنَهَيْتُ عَنْ أَشْياءَ إِنَّها لَمِثْلُ الْقُرْآنِ أَوْ أَكْثَرُ، وَإِنَّ اللَّهَ ﷻ لَمْ يُحِلَّ لَكُمْ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتَ أَهْلِ الكِتَابِ إِلا بِإِذْنٍ، وَلا ضَرْبَ نِسائِهِمْ، وَلا أَكْلَ ثِمارِهِمْ؛ إِذا أَعْطَوْكُمُ الَّذِي عَلَيْهِم” الرَّاوي: أبو نُجَيْح العِرباضُ بن سارِيَة رضي الله عنه – المحَدِّث: الألبانيّ – المصدر: سلسلة الأحاديث الصحيحة – الجزء “5” – الرقم “542“. خلاصة حكم المحَدِّث: حسن.
وعَليهِ؛ فإنَّ ما عايَشناهُ عَمَلِيًّا وخَبَرناهُ عِلمِيًّا، وما زلنا، مع قِيادَةِ ورِجالاتِ (أي: أشرافِ وأعيانِ) حَرَكَةِ (حماس) في تعاطيهِم المُتَعالـي/الفَوْقِـيّ! والمُنطَوي على كِبْرٍ نِسْبِيّ! (الكِبْرُ = بَطَرُ الحقِّ “دَفْعُهُ وَإِنْكَارُهُ تَرَفُّعًا” + غَمْطُ الناسِ “اسْتِحْقَارُهُمْ وَتَعْيِيبُهُمْ”) مع النَّقدِ البَنَّاءِ والنُّصحِ الشرعيِّ من أنصارهِم ومُواليهِم ومُحِبِّيهِم لا يُعَدُّ “تَبْريرًا“ بِحال… وإنما هي “مُسَوِّغاتٌ” مُفتَعَلَةٌ واهِيَةٌ لا تَنْطَلي إلا على “السَّحِّيجَة” (مُفرَدَةٌ عامِّيَّةٌ فلسطينِيَّةٌ، تُطلَقُ على كَثيري التَّصفيقِ من الإمَّعات!) المُقَلِّدين من أنصارهِم! ومِنَ الناس!!
العَدالَةُ الإنسانِيَّةُ والسِّياسَةُ الواقِعِيَّةُ يُلزِمانا وُجوبَ تَفَهُّمِ وقَبولِ مُبَرِّرات حركة (حماس)… لكن ليس من العَدلِ ولا من السياسَةِ التَّرويجِ ومُحاولَةِ التَّمريرِ لمُسَوِّغاتِها الذَّرائِعِيَّة “Pragmatic”… فهذا إنَّما هو خَلَلٌ فِكريٌّ، وانحِرافٌ سُلوكِيٌّ، يُؤذِنُ بما لا تُحمَدُ عُقباه. مِن مِثلِ: الحِرمانِ من مَزِيَّةٍ إلهِيَّةٍ حَصريَّة: “… وَتَرۡجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا يَرۡجُونَ…“(النِّساء:104)، والتَّفَكُّكِ والتَّشَرذُمِ الذاتيّ، وضَعْفِ البَّصيرَةِ، وبالتالي قِلَّةِ الأهليَّة، وانحِدارِ الثِّقَةِ بها كِيانًا وأفرادًا… لا سَمَحَ الله. نعم، من حَقِّ حركَةِ (حماس) اللُّجوءُ إلى شَرحِ وتَعليلِ، لا بَل وتزكِيَةِ أسبابِها الصَّحيحَةِ المَقبولَةِ والمُوجِبَةِ للتَّبرير… لكن ليس من حَقِّها، ولا يُقبَلُ منها البَتَّةَ التَّسْويغُ، بإباحَةِ وتَسْويلِ وعَقْلَنَةِ أسبابٍ مُبتَدَعَةٍ واهِيَةٍ مُرضِيَةٍ لقِيادَتِها، ومن ثُمَّ قَواعِدِها، في سُلوكِ أمرٍ ما…
أمّا أهَمُّ تَجَلِّياتِ التَّلفيقِ بين “التَّبريــرِ“ و“التَّسويــغِ“ عند السادَةِ في قِيادَةِ حَرَكَةِ (حماس) فقد تَمَثَّلَت في المواقِفِ العِلمِيَّةِ والعَمَلِيَّةِ الآتية، تَمثيـلًا لا حَصْرًا:
- التَّجَلِّي الأوَّل: العِلمُ قَبلَ القَولِ والعَملِ
في أواخِرِ عام “1993م” زارَنا عُضوُ المكتَبِ السياسيِّ لحَرَكَةِ (حماس) أ. أبو البَراء محمد نَزّال في مؤسسة الأقصى – “F10” – إسلام أباد – باكستان، بمعية النائبِ السابقِ لحَرَكَةِ الإخوانِ المسلمين، وجَبهَةِ العملِ الإسلاميِّ الأردُنِيَّتَيْن أ. أحمد الكْفاوِين. وعلى شَرَفِهِما نُظِّمَ اجتِماعٌ/لِقاءٌ بِمُشاركَةِ ثُلَّةٍ كريمةٍ من عُلَماءِ وأساتِذَةِ الجامعة الإسلامية العالمية – إسلام أباد، وقد تَضَمَّن الاجتماعُ كَلِمَتَيْن للضَّيْفَيْنِ الكَريمَيْن، واختُتِمَ بفَتحِ بابِ السؤالِ والجواب، وعندما حان دَورِي لطَرحِ سُؤالي؛ وجَّهتُهُ للأخ نزال وأنا مُتَوَجِّسٌ: “بما أنَّهُ مِنَ المعلومِ مِن الدِّينِ الإسلاميِّ بالضَّرورَةِ: أنَّ مَبدَأ التَّفاوُضِ مع العَدُوِّ مشروعٌ مُباحٌ… ومِنَ العَقْلِ الصريحِ: أنَّ العَمَلَ العسكَرِيَّ زِراعَةٌ والسِّياسَةُ حَصادُهُ… فلماذا تَتْرُكُ حركة (حماس) حَصادَ عَمَلِها العَسكَريِّ وعَمَلِيّاتِها الاستِشهادِيَّةِ لسِياسَةِ غَيرِها (أ. أبو عمَّار ياسر عرفات -يرحمه الله- ونَهجِهِ السياسيِّ حينَذاك) تَحصُدُهُ؟“. عندها خَزَّني الحاضِرون بأعيُنِهِم، ونَخَرَني البَعضُ بكلماتِهِم (لِدَرَجةِ أنِّي تَمَنَّيتُ انشِقاقَ الأرضِ وابتِلاعي) وسادَت على إثْرِ ذلك جَلَبَةُ المُداخَلات والمُقاطَعات دقائق، ثم قامَ أ. نزّال بتهدِئَةِ الحال، ومن ثم أجابَني (وهُنا بيتُ القَصيد!) بما قَلَّ ودَلَّ: “سُؤالُكَ يا أخي وجَوابُهُ مَحَلُّ نِقاشٍ وتَداوُلٍ فيما بينِنا في المكتب السياسيّ في حركة (حماس)، ومُحَدِّدُنا في المُضِيِّ قُدُمًا بِمَضمونِهِ عَدَمُ جاهِزِيَّةِ واستِعدادِيَّةِ قَواعِدِنا…!“. من هنا، ومن تلك اللحظة، أدركتُ أَنِّي أقِفُ في المكانِ الخطأ، وتحتَ المِظَلَّةِ الخطأ؛ فعَمِدتُ إلى مُراجَعَةٍ إستراتيجِيَّةٍ لِحِساباتي العِلمِيَّةِ والعَمَلِيِّةِ قاطِبَة… وَهُم من طَرَفِهِم من بعدِ ذلك بادَلوني المَوقِفَ؛ بِأَنْ باتوا يَضيقُونَ بيَ ذرعًا…
العِبرَةُ العامَّةُ من تَجرِبَتي الشَخصِيَّةِ هذه مع حركة (حماس)، من قَبلِ قُرابةِ رُبعِ قَرنٍ من الزمن هي: أنَّ السادة في قيادَتِها -كما السادة في قيادة حركة الإخوان المسلمين من قَبلِ حَرَكَةِ (حماس) ومن بَعدِها- قد وَقَعوا في خَطيئَةِ/كَبيرةِ وَضْعِ العَرَبَةِ أمامَ الحِصان! والحصانِ خَلْفَ العربة…! بمعنى؛ قَدَّموا القَولَ والعَملَ على التَّنظيرِ والعِلمِ… فكانوا -وما زالوا- رِجالَ “إِعــلامٍ” بارِزين! أكثر منهم رِجالَ “عِلــمٍ” مَنهَجِيِّين… وأصحابَ “تَجرِبَــةٍ” “Experience” سياسِيَّةٍ أكثر منهم أصحابَ “خِبْــرَةٍ” “Expertise” فيها؛ فمِمَّا هو يَقينِيٌّ إداريًّا أنَّ: “الخِبرَةَ في أيِّ مجالٍ تطبيقيٍّ = العِلمُ + التَّجرِبَة” “Expertise = Knowledge + Experience”… وقِيادةٌ هذا حالها -وما زال للأسف!- منذ ثلاثَةِ عُقود، في حاجةٍ ماسَّةٍ إلى “عَمَلِيَّةِ عَقْلٍ مَفتوح” “Open-Mind Surgery” من خلالِ التَّنْظيرِ “Theorization” الصائِبِ الصحيحِ لما/بما يُنيرُ بَصيرتَها… ويُعيدُ تأهيلَها بِمُوجِبِهِ؛ حتى يَسيرَ معها أتباعُها الأعضاءُ! ومَن على التُّخومِ! على بَصيرةٍ…
إنْ كان مُؤدَّى عمل حركة (حماس) السياسيّ لثلاثَةِ عُقودٍ خَلَت تَحَوُّلُ قادَتِها إلى أشخاصٍ يُتقِنون حِيَل المناوَراتِ الإعلامِيَّةِ (على أهمِّيَّتِها طبعًا؛ ولكن بحسَب أحجامِها! وغاياتها! وأَوْلَوِيَّاتها!) على حسابِ المعالجاتِ العلمية… وحِنكَةِ تخريجِ المُسوِّغات… وليس الاستِكفاءِ بعَرضِ الحَدِّ الأدنى من المُبَرِّرات… والتذَرُّعِ بالاعتِباراتِ الأَمنِيَّة! كي يَستَنْفِعوا من “قَرينَةِ الشَّكِّ” “Benefit of Doubt”، ويكونوا في مَأمَنٍ من اتِّهامِ ونَقدِ الكثيرين… إن كان ذلك مُؤَدَّى عَمَلِهِم السياسيّ ومَآلُهُ؛ فهذا من سُوءِ طالِعِ قَضِيَّةِ الأقصى… وهذا، بطبيعة الحال، يُذَكِّرُنا بانتِكاسِ وانحِسارِ قَضِيَّةِ الأقصى والقُدس وفِلَسطين خلال القَرنِ الميلاديّ المنصَرِم وبِدايَةِ القَرنِ الحالي، من كَونِها قَضِيَّةٍ “إسلامِيَّـةٍ” إلى “عَربيَّـةٍ” في عَهدِ الرئيسِ القَومِيّ أ. أبو مازن أحمد الشُّقيرِيّ يرحمه الله… ومن “عَرَبيَّـةٍ” إلى “فِلَسطينِيَّةٍ” في عَهدِ الرئيسِ الوَطَنِيّ أ. أبو عمار ياسر عرفات يرحمه الله… ومن “فِلَسطينِيَّةٍ” إلى مُجَرَّدِ مَساحَةِ “حُدودِ السابع والسِّتين” المُتآكِلَةِ! في عَهدِ رئيسِ السُّلطَةِ/الحُكمِ المَحَلِّيّ! د. أبو مازن محمود عباس هَدانا اللهُ وإيّاه… وكُلُّ هذه الانتِكاسات! والارتِكاسات! بِاسْمِ “التَّبْريرِ” المُفتَعَل! والذي في أساسِهِ وحَقيقَتِهِ مَحْضُ “تَسْويغٍ“ بَيِّنٍ عندَ أهلِ البَصيرَةِ من الناس! دون الأتْباعِ والأنصارِ والمُوالين من الحِزبِيِّين المُقَلِّدين!
ومِمَّا يُعَزِّزُ هذا التَّجَلِّي أنَّ ثقافَةَ مُجتَمَعِنا “Society” الفِلَسطينيّ (وتَعدادُهُم الإجماليُّ قارَب الأربعَةَ عَشْرَ مِليونًا) أصلًا، كما عُمومُ الشَّعبِ “People” العَرَبيّ، ضِمنَ الأُمَّةِ “Nation” الإسلامِيَّةِ؛ ولكن بِمَنسوبٍ أعلى! أنَّ ثَقافَتَهُ تَتَّسِمُ بالمَيْلِ والنُّزوعِ إلى التطبيقِ العَمَلِيّ! والتَّنفيذِ! والاندِفاعِ! ورُدودِ الأفعال… وتَزهَدُ وتَعزِفُ عن التَّنْظيرِ العِلميِّ! والتَّخطيطِ! وحالَةِ “بَطيء لكِن أَكيد” (Slowly but Surely)! والاستِجاباتِ الهادئَةِ… ويَكفيكَ دليلان صارِخان على ذلك: الأوَّل؛ أنَّ الفِلَسطينِيِّين عبر تاريخِهِم كانوا -وبشكلٍ شِبهِ دائمٍ- الوَقودَ، ومادَّةَ المواجَهَةِ، والرِّباطِ، ومُلازَمَةِ الثُّغور… إلخ، ولَم يكونوا القِيادَةَ العِلمِيَّة المُخَطِّطَة… والآخَر؛ أنَّ كَلِمَتَي “تَنْظير” و “فَلسَفَة” تُعَدّان مِن/في مَنظورِ العُمومِ الفلسطينيّ مَثْـلَبَةً، وتَرَفًا فِكْرِيًّا، يُذْكَران على سَبيلِ التَّزهيدِ والتَّنقيص… ومَعلومٌ لدى أهلِ النُّهى أنَّ ثقافَةَ (Culture) أيَّ مُجتَمَعٍ أو شَعبٍ هي مَحضِنَ ومُستَنْبَت، وبالتالي مُستَحكَمَ، إدارَتِهِ وسِياسَتِهِ… وعليه؛ فإنَّ تَمادي قيادة حركة (حماس) الإستراتيجيّ على مدى عُقودٍ! بالبَخْسِ والتَّقليلِ، عَمّا مُجتَمَعِنا وشَعبِنا في أمَسِّ الحاجةِ إليه أكثر من أيِّ وَقتٍ مضى، فيه ضَعْفُ بَصيرةٍ، وبالتالي قِلَّةُ أهلِيَّة… وبناءً عليه؛ إن كانوا لا يعلمون هذه الحقيقة الموضوعِيَّة المؤلمة قَبِلْنا منهم “تَبْريرَهُم” بعُذرِ الجَهْلِ (لكن ليس بعد إعلامِنا وتَبيِينِنا الإجماليِّ هذا)! وإن كانوا يعلمونها رَفَضْنا منهم “تَسْويغَهُم” البَخْسَ والتَّقليل!
- التَّجَلِّي الثاني: الجَلَدُ مُؤَدّاهُ عِزَّةُ الانتِصار! والعِنادُ مُؤَدّاهُ إِثْمُ الانكِسار!
خلال السنواتِ القليلةِ الماضيةِ جَمَعَتْني مع إخوةٍ من كُهولِ “40-50 سنة”! التَّغييرِ والنهضَةِ الإسلامِيَّةِ عشراتُ الحِواراتِ حول مُستَجَدّات واقِعِ قَضِيَّتِنا الإسلامية المركزية، ومَجرياتِ أحداثِ ما سُمِّيَ بــ “الرَّبيعِ العَرَبيّ“! وحالِ أمَّتِنا الإسلامِيَّةِ عُمومًا. وكان الجَوهرُ والقاسِمُ المشتَرَكُ بين كُلِّ ما شارَكتُ به من طَرَفي من حقائقَ وآراءٍ وأفكارٍ؛ حول تِلكُم المستَجَدَّات والمَجرَيات يَتَمَثَّلُ في سَبَبِ/خَطيئَةِ غِيابِ الرُّؤيَةِ “Vision”، المنبَثِقَةِ عن النظريةِ السياسيةِ الإسلاميةِ، والمَبنِيَّةِ على ثُلاثِيَّةِ: النَّقلِ الصَّحيح، والعَقلِ الصَّريح، والفِطرَةِ السَّليمَة… ولِتَكرارِي ذِكْر الجوهر والقاسِمَ المشتَرَك هذا، وَفي عِدَّةِ سِياقات مختلفة ومتنوعة، اقترَحَ عَلَيَّ المُهتَمُّون والمَهمُومُونَ منهم عَرضَهُ ومُناقشَتَهُ قِيادَةِ حركة (حماس) مباشرة… ومِن بَعدِ لَأْيٍ وَتَعَبٍ شَديدَيْن! تَهَيَّأَت لي فرصَةُ لقاءِ الرَّجُلِ الأوَّلِ لحَركَةِ (حماس) في المملكة العربية السعودية قَبْل حوالي العام، ومُناقَشَتِهِ بِصَراحةٍ ومُباشَرَةٍ وعُمقٍ لأربَعِ ساعاتٍ مُتواصِلَة… وانتهى لِقاؤُنا بِفِكرَةِ تقديمي “خُلاصَةَ فِكْرَةٍ” “Abstract” حول مُقتَرَحي الإستراتيجيّ؛ بِبَلوَرَةِ وبِناءِ النظريَّةِ السياسِيَّةِ الإسلامِيَّة، لكي تُقَدَّم من طَرفِهِ للمَعنِيِّين في قيادَةِ حركَةِ (حماس) وأعضاءِ مَكتَبِها السياسيِّ المرؤوسِ من أ. أبو الوليد خالد مَشعَل حينَذاك… وفِعلًا، مَضَيتُ من طَرَفي بِوَضعِ “خُلاصَةِ الفِكرَة” في ثلاثِ صفحاتٍ مُرَكَّزَة بِعُنوان: “النَّظَرِيَّـةِ السِّياسِيَّـةِ الإسلامِيَّـةِ المِعيارِيَّـةِ المَرجِعِيَّةِ (نَسـامّ)“، قَدَّمتُها له بحسَب اتفاقِنا، على أن يأتِيَني الردُّ مِمَّن تَسَلَّمَها منه، من قيادة الحركة (ومنهم أ. أبو الوليد خالد مَشعَل، و د. أبو عمر موسى أبو مرزوق، و د. مُحسِن صالح، و د. أبو الحارث محمد أكرم العدلونيّ… وآخَرين) في بَحرِ أسابيع… وها هي الشُّهورُ قد مَضَت! وقد قارَبنا السَّنَة! ونحن في انتظارِ الردّ!! وقد أبلغَني الأخُ المَعنِيُّ مُؤَخَّرًا (وهو نفسه -بِحَسَبِ تأكيدِهِ- من رِجالاتِ الصَّفِّ الأوَّل!) شُعورَهُ بالحَرَجِ مِنِّي، والضِّيقِ من عدَمِ رَدِّهِم! واكتِراثِهِم! أنه أكَّدَ في آخِرِ لقاءٍ عَرَضِيٍّ جَمَعَني به تسليمَهُ المقتَرَحَ باليَد، في جَلسَةٍ جَمَعَتهُ مع أ./ مشعل في الدوحة – قطر، وأنَّ الأخيرَ مُهتَمٌّ بالمقتَرَحِ المُقَدَّمِ وصاحِبِهِ! وأنه مُلتَزِمٌ بالاتصالِ والتواصُلِ معه (أي معي) قريبًا لأجل ذلك…!!
هذه تجربتي الأخيرة في النَّقْدِ البَنَّاءِ والنُّصحِ الشَّرعِيِّ مع هؤلاء… والمُهتَمُّوَنَ والمَهمومونَ من الناسِ يشهَدون بذلك… وعلى أسطُري أعلاه…
الحقيقة؛ إنِّي مُستَهجِنٌ سُلُوكاتِ قيادَةِ حَرَكَةِ (حماس) وأعضاءِ مَكتَبِها السياسيِّ لدَرَجَةِ لُجوئي إلى الحَكَمِ العَدْلِ في سُجودي بالدعاء: إن كانوا من الـجادِّيـنَ الـمُثـابِرِيـنَ! فِـي طَــــلَـبِ الـحَـقِّ وَالصَّوابِ بأن: … اهْدِنِـي لِـمـا اخْتُـــلِفَ فِيــهِ مِنَ الـحَـقِّ بِإِذْنِـك… (مُسْلِـم) أَمَّـا إن كانوا من المعانِدينَ الأُحادِيِّينَ فَبِدُعاءِ: … رَبَّـنا افْتَـحْ بَيْـنَـنـا وَبَيْـنَ قَوْمِنـا بِالـحَـقِّ وَأَنْـتَ خَيْـرُ الفاتِحِيـن (الأَعْراف: 89)
كيف للناسِ أن يَثِقوا بِقَولِ قيادَةِ حركَةِ (حماس)؛ باتصالِها وتَواصُلِها مع المَعنِيِّين والمُهتَمِّين في مُؤتَمَرِهِم الأخير حول وثيقَتِهِم السياسية: “وثيقةُ المَبادئ والسِّياساتِ العامَّة“؟! كيف لهم تصديقَ وقَبولَ مُسوِّغِهِم؟!! إلا إن كان مَن اتصلوا بهم وتَواصَلوا معهم أعضاءَ حَرَكَتِهِم وأنصارِهِم! أو مَن ضَمِنوا إشارتَهُم عليهم بما يُريدون! فهذا -إن كان- يُؤَكِّدُ أنَّنا في واقعٍ كما كَرَّرَ وعَبَّر عنه أحَدُ الإعلامِيِّين المقربين منهم بأنَّ: “الخَلَّ أَخُو الخَردَل“…!!
واللهِ الذي أنزَلَ الكتاب! لو افتَرَضْتُم في أنفُسِكُم، يا حركة (حماس)، أنَّكُم بِتَمكينِ وقُوَّةِ ذي القَرنَيْن عليه السلام! وأنَّ مَن حَولَكُم من الفِلَسْطينِيِّين والعرب والمسلمين أجمَعين لا يكادون يَفقَهون قَولًا…! لَكانَ مِن سَوِيَّةِ بَصيرَتِكُم، وتَمامِ أهلِيَّتِكُم، أن تَطلُبوا قُوَّةَ العَونِ العِلمِيِّ والعَمَلِيِّ منهم… لا أن تَتَعالَوا عليهم… وتُعامِلوهُم بأُحادِيَّةِ نَظرَةٍ مَقيتَة، وتَذاكٍ مُبتَذَلٍ، ومُسَوِّغاتٍ واهِيَةٍ… فَتَنَّبهوا -يا رعاكُم الله- واحذَروا إِثْمَ الانكِسار. أَلَيْس هذا مَنطوقُ ومَفهومُ ما حَفِظتُموهُ من كتاب ربكم ﷻ، وبَنَيْتُم عليه فِكرَكُم وفَهمَكُم في أُسَرِ وَكَتائِبِ جماعَةِ الإخوانِ المسلمين العَتيدَة من قبل؟! وتَتْلونَهُ سُنَّةً عن نَبِيِّكُم ﷺ في كُلِّ يومِ جُمُعَة؟!!
لا أدري حقيقةً؛ هل استِقالَتي من العَمَلِ مع حَرَكَةِ (حماس) قبل حوالي العَقدَيْنِ من الزمَنِ يَنفي عَنِّي فِلَسطينِيَّتي وعُروبَتي وإسلامي؟!! ويَضَعُني مَوضِعَ الشَّكِّ والتَّخوينِ (إن لَم يكن التَّضليلِ! والتَّكفيرِ!) ضمنَ قَوائِمِهِم السَّوداء؟! وبالتالي؛ يكون هذا مُسَوِّغَهُم بعَدَمِ قَبولِ النَّقدِ والنَّصيحَة… أو حتى الاكتِراثَ بهما!!
أحبَبتُ توثيقَ تَجارِبي ومُحاوَلاتي لنَفسي، وأسرتي، وإخواني، وكُلِّ مَن يَهَمُّهُ الأمر من أبناءِ مُجتَمَعي الفلسطينيّ… وشَعبي العربيّ… وأمَّتي الإسلامية… وإن كانت هذه نهايَةُ الطريقِ مع حركَةِ (حماس) لكنها بدايَتُها مع أنفُسِنا… وغيرِها… إن شاء الله؛ فإنَّ المُجتَمَعَ الفِلَسطينِيَّ الذي أوْجَدَ “فَتْحًا“؛ على نَقصِ وَقُصورِ نِهاياتِها… و”حَماسًا“؛ على نَقصِ وقُصورِ بِداياتِها… وإرهاصاتِ وأَعْراضِ نَقصِ وقُصورِ نِهاياتِها…! ما زال، قادِرًا على إيجادِ ما هو أقْوَم بإذنِ الله؛ فإنَّ: “العِبْرَةَ بكَمالِ النِّهايات لا بِنَقْصِ البِدايات“أحمد بن تيمية – مِنهاجُ السُّنَّة – الجزء (8) – صفحة (412).
- التَّجَلِّي الثالِث: تَمَخَّضَتِ العُقودُ فَوَلَدَتْ وَثيقَة!
الناسُ أضحَوا قادِرين على قراءةِ ما بين السُّطورِ، واستِكْناهِ ما تَنطَوي عليه النفوسُ من كِبرٍ نِسْبِيٍّ كامِنٍ… اصطَلَحتُ على تسمِيَتِهِ مع ثُلَّةٍ من النُّخْبَةِ بـ “كِبْرِ المُتَدَيِّنين/الإسلامِيِّين“… ومَظهَرُهُ الدَّقيقُ يَتَمَثَّلُ بسُلوكِ التَّواضُعِ والتَّصَرُّفِ بكِياسَةٍ ولُطْفٍ! ولكن بطريقَةٍ تُظهِرُ الشُّعورَ بالتَّفَوُّقِ “Condescension” على الآخَر! لا الوصولُ إلى الحَقِّ والصَّوابِ والصَّحيحِ مِنَ الأقوالِ والأعمالِ… وتَفَشِّي هذا التوجُّهِ النفسيِّ عند عُمومِ القيادَةِ في حركة (حماس) ومَن يَخلُفَهُم… أضحى ظاهرةً مُتَنامِيَةً، غير مُبَرَّرَةٍ ولا مُستَساغةٍ… اضطرَّت كثيرًا من الناسَ أن يُقَيِّموها بـ “فَجْوَةِ المِصداقِيَّة” “Credibility Gap” فيما بين واقِعِ الإسلامِيِّين العِلمِيّ والعَمَلِيّ… من جِهَةٍ، وأصلِ الشريعةِ والمنهاجِ الإسلامِيَّيْن… من جِهَةٍ أخرى. هذا كله فضلًا عن إحداثِ مُصيبَةِ الفِتنَةِ عند البعض؛ بِجَعلِهِم يُسيئون الظنَّ بدينِهِم الإسلامِيِّ عن مِثْلِ هكذا ثَمَرَةٍ مُتَواضِعَةٍ؛ تُعَدُّ ظاهِرِيًّا من خَيْرِ الموْجود! وأقَلُّ ما قد يُقالُ في حقيقَتِها أنها دونَ المَنْشود!
ومِن أسبابِ تعزيزِ ما تَنطَوي عليه النفوسُ من كِبرٍ نِسبيٍّ، وفَوقِيَّةٍ كامِنَةٍ، وأُحادِيَّةِ نَظرةٍ، في التَّعامُلِ مع الآخَر، والتي خَبَرناها مُعايَشَةً عند السادَةِ في حركَةِ (حماس)؛ فيما يعتقدون أنه الحَقُّ والصَّوابُ والصَّحيح… ورَفضِهِم مُخالَفَةَ مَن خالَفَهُم، ومُعارَضَةَ من عارَضَهُم… من أسبابها تَفَشِّي ورُسوخُ الزِّيادَةُ الحديثِيَّةُ الضَّعيفَةُ وغيرُ الثابِتَةِ عندَهُم (الزيادَةُ الحديثِيَّةُ المُعَيِّنَةُ لِمَكانِ “طائِفَةِ الظاهِرينَ/القائِمينَ على الحَقّ” وهي: “… قالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ؛ وَأَيْنَ هُمْ؟ قالَ ﷺ: بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَأَكْنافِ بَيْتِ المَقْدِسِ“) تَفَشِّيها في عُقولِهِم وأفهامِهِم وتَصَوُّراتِهِم! وبالتالي سُلُوكاتِهِم! باعتِقادِهِم صِحَّتها!! لا بل وتَسويغِهِم إياها في دَوائرِ مُحيطِهِم (وقد ظَهَرَ ذلك في وثيقَتِهِم السِّياسِيَّةِ الأخيرَةِ أيضًا –”وثيقةُ المَبادئ والسِّياساتِ العامَّة“- البَنْدُ السابع؛ بِنَصِّ أنَّ أرضَ فِلَسطين هي: “… أرضُ القائِمينَ على الحَقِّ -في بَيتِ المَقدِسِ وأكْنافِ بَيتِ المقدس- الذين لا يَضُرُّهُم من خالَفَهُم ولا مَن خَذَلَهُم حتى يأتِيَ أمرُ الله“). ومِمَّن بَيَّنَ نَـكـارَةَ وضَعفَ الزِّيادَةِ الحَديثِيَّةِ المذكورة، والحُكمَ عليها اختِصاصِيًّا، خِيرَةُ مُحَدِّثي هذا العصر، العَلّامَةُ المُحَدِّث/ أبو عبدالرحمن محمد ناصر الدين الألبانيّ (في سِلسِلَةِ الأحاديثِ الضعيفَةِ والموضوعَةِ وأثَرُها السَّيِّءُ في الأُمَّة – الجزء “11” – الصفحة “698”) ومِن بَعدِهِ المُحَدِّث/ أبو أسامَة شُعَيْب مُحرَّم الأرنَؤوط (في تحقيقِهِ -وفريقِهِ- لمُسنَدِ الإمامِ أحمد بن حنبل – الطبعة الثانية – الجزء “36” – حَواشي الصَّفَحات “657-659” – رقم الحديث “22320”) يرحمهما الله؛ وإلا فإنَّ أصلَ الحديثِ وصَدرَهُ ثابِتٌ صَحيح: “لا تَزالُ طائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلى الحَقِّ ظاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قاهِرِينَ لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خالَفَهُمْ إِلَّا ما أَصابَهُمْ مِنْ لَأْواءَ (أي شِدَّةٍ وَضِيقٍ ومُصيبةٍ) حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذلِك” الراوي: أبو أُمامَة الباهِلِيّ رضي الله عنه – المحَدِّث: أحمد بن حنبل – المصدر: مسند الإمام أحمد بن حنبل – الطبعة الثانية: 1429هـ/2008م – الجزء (36) – الصفحة (656-657) – الرقم (22320). خلاصة حكم المحَدِّث (شعيب الأرنؤوط وفريقه): صحيحٌ لغيره.
للأسف! خِبرتي العِلمِيَّةِ والعَمَلِيَّةِ مع السادة في حركة (حماس) -كما عُمومُ فِكْرِ وسُلُوكاتِ رِجالاتِ حركَةِ الإخوانِ المسلمين الكرام- أنَّهُم لا يَعنيهُم كثيرًا صِحَّةُ أو ضَعفُ ما وَرَدَ من السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ الشريفة… وإن كان يَعنيهُم؛ فبأسلوبِ “التَّفكيرِ الرَّغْـبِيّ” “Wishful Thinking”… هذا بالرَّغمِ من تِأكيدِ مُؤسِّسِ حَركَتِهِم -يرحمه الله- في “الأصل الثاني” من “الأصولِ العشرين” لِرُكنِ “الفَهْم” – أركانِ البَيْعَة – رِسالَةِ التَّعاليم – مجموعِ رسائِلِ الإمامِ حَسَن البَنَّا: “… ويُرجَعُ في فَهمِ السُّنَّةِ المُطَهَّرَةِ إلى رِجالِ الحَديثِ الثِّقات“.
وفي هذا السِّياقِ التفصيليِّ تَجدُرُ الإشارَةُ إلى ثلاثةِ أمورٍ مُهِمَّة: الأوَّلُ منها؛ أنَّ الزيادَةَ المُنكَرَةَ وغيرَ الثابِتَةِ (الضعيفَةِ) هذه تقَعُ في أحكامِ الغَيبِ والاعتِقادِ (العَقيدَةُ والإيمان) فضلًا عن كَونِها في فضائِلِ الأعمالِ، والترغيب والترهيب، وعليه؛ وَجَبَ التَّوثيقُ والإثباتُ، ولا مجال لغير ذلك… والثاني؛ أنَّ التَّعاطي مع النُّصوصِ الشرعيَّةِ إثباتًا وَنَفْيًا يُعَدُّ أمرًا عِلمِيًّا شَرعِيًّا مَنهَجِيًّا، ولا يخضَعُ لِتَوازُنات السِّياسَةِ! وما يُمكِنُ التَّغاضي عنه من أخطاءِ الاستهلاكِ الإعلاميِّ التَّسْطِيحِيِّ التَّبْسِيطِـيِّ (لا التَّسْهِيلِـيّ التَّيْسِيـرِيّ)! وليست كذلك صُكوكًا! نَمنَحُها لأنفُسِنا وللآخَرين… أو قَراطيسَ نُبْديها حِينًا ونُخْفيها حِينًا. والأمرُ الثالِثُ: نِداءٌ أُوَجِّهُهُ لإخواني/وأَخَواتي المسلمين، كُلٌّ حسَب مُجتَمَعِهِ وشعبِهِ، أن يُحارِبَ بِكُلِّ ما أُوتِيَ من قُوَّةٍ عِلمِيَّةٍ وعَمَلِيَّةٍ ما هو ضَعيفٌ، وضَعيفٌ جِدًّا، ومَوضوعٌ، من الرِّواياتِ المنسوبَةِ إلى شريعَةِ رَبِّ العالَمين الغَرّاءِ؛ ظُلمًا وجَهلًا… فهذا بَلاءٌ أثَّرَ بِسوئِهِ على أفهامِنا وتَصَوُّراتِنا وتوَجُّهاتِنا النَّفسِيَّةِ والسُّلوكِيَّةِ عُقودًا وقُرونًا من الزَّمَن… فإلى اللهِ ﷻ المُشتَكى، ولا حولَ ولا قوةَ إلا بالله.
كحقيقةٍ يَقينِيَّةٍ مَعلومةٍ من عِلمِنا الإدارِيِّ بالضرورَةِ أنَّ: “حَالَ البُعْدِ العِلْمِيِّ النَّظَرِيِّ وَالعَمَلِيِّ التَّطْبِيقِيِّ فِي مَسِيرَةِ الفَرْدِ، وَالمُنَظَّمَةِ، وَالـمُجْتَمَعِ، كَحَالِ جَنَاحَيْ الطَّائِرِ؛ إِنْ اخْتَلَّ تَوَازُنُهُمَا جَنَحَ وَسَقَط“. وعليه؛ فإنَّ على حركَةِ (حماس)، بِوَصفِها كِيانٍ مُنَظَّمِيٍّ تَحَرُّرِيٍّ إسلاميٍّ في مَسيرَةِ تَطَوُّرِهِ الطبيعيِّ، إيجادُ كِيانٍ تنظيميٍّ داخليٍّ تكميليٍّ “Integral” لكِيانِهِم المُنَظَّمِيِّ القائم يُعنَى بالبَحثِ والتَّطويرِ “Research & Development – R&D“ ويَرعى هذا التَّطَوُّرَ الطبيعيّ، جَنبًا إلى جَنْبٍ (لا بل وبِشَكلٍ أَوْلى وأَهَمّ!) مع مَساراتِ عَمَلِهِم الأساسِ الأخرى… لاعتِبارِ الحقيقةِ الفطريةِ السليمَة: “العِبْرَةُ بكَمالِ النِّهايات لا بِنَقْصِ البِدايات“… والحقيقةِ النقليةِ العلميةِ اليقينِيَّةِ: “… فَلَوۡلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرۡقَةٖ مِّنۡهُمۡ طَآئِفَةٞ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي ٱلدِّينِ…” (التَّوبَة:122). لكن ما رأيناهُ وعايَشناهُ، وما زلنا، ومنذ ثلاثة عُقودٍ، يا للأسف، مجَرَّد “رُدود أفعالٍ” “Reactions”… تُؤكِّدُها عباراتٌ خِطابِيَّةٌ إعلامِيَّةٌ؛ مِن مِثلِ: ارتَأَيْنا/ارتَأى الإخوَةُ في قيادَةِ الحَرَكَة! وأدرَكنا! واتَضَح لنا! إلخ، وليس “استِجابات” “Responses” إستراتيجية جادَّة تُكافئُ أَهَمِّيَّةَ ومَركَزِيَّةَ قَضِيَّةِ أُمَّةٍ، وَراءَها مُجتَمَعٌ عظيمٌ هُمام…
ما الذي مَنَعَكُم/يمنَعَكُم يا سادة ويَحُولُ بينكم وبين تحقيقِ ذلك؛ أَهُوَ ضِيقُ عَطَنِكُم وصَبرِكُم…؟! أم ضَعفُ بَصيرَتِكُم وَقِلَّةُ أهلِيَّتِكُم…؟! عجيبةٌ هي مَدارِكُ وعَقْلِيّاتُ مَن يُصَنَّفون/يُصَنِّفون أنفُسَهُم بالإسلامِيِّين! ومنهم حركة (حماس)؛ فمثلًا؛ لو أنَّ آلاف الساعات التي قضاها أعضاءُ مَكتَبِكُم السياسيّ مُجتَمِعين! أو مُنفَرِدين! مع أنفُسِكُم! أو مع الناس! على مدى نِصفِ عَقدٍ مضى، فقط الخمس سنوات الأخيرة، في “تَسْويغِ“!! بَقاءِ عَلاقاتِ الوَفاءِ! والاعتِرافِ بِرَدِّ الجَميلِ! المعلَنِ! منها والخَفِيِّ! مع النِّظامِ السُّورِيِّ العَرَبيِّ النُّصَيْرِيّ… ومن خَلفِهِ النِّظامِ الإيرانيِّ الفارِسِيِّ الصَّفَوِيّ… هذا العَدَدُ من الساعات لو قُضِيَ في جَلَساتِ “استِبْــداعٍ” “Brainstorming” مُخَطَّطَةٍ ومُمَنْهَجَةٍ لبناءِ النظريةِ السياسِيَّةِ الإسلامِيَّةِ المِعيارِيَّةِ المَرجِعِيَّة (نَسامّ) لَكُنتُم قَطَعتُم شوطًا مُعتَبَرًا في بَلوَرَتِها وبِنائِها، وما يَنبَثِقُ عنها من “مِعيارٍ سِياسيٍّ قِياسِيّ” “Political Standard” لأنفسِكُم ومُجتَمَعِكُم وشَعبِكُم وأُمَّتِكُم؛ للسَّيرِ معكم بِمُوجِبِها/بموجِبِهِ على بَصيرَةٍ… لكن لا غَرْوَ ولا استِهْجانٍ؛ فقد قالَها عُلَماؤنا الأصوليُّون منذ أكثرَ من ألفِيَّةٍ من الزَّمان؛ أنَّ: “الحُكمَ على الشيءِ فَرعٌ عن تَصَوُّرِهِ“… وبالتالي؛ لا يُرجى الحُكمُ الصائِبُ الصحيحُ مِمَّن لا يَملِكُ التَّصَوُّرَ والمُدرَكَ؛ بادِيَ الرأي!
التَّجَلِّياتُ الثلاثَةُ أعلاه ذَكَرتُها للتَّمْثِيلِ وحَسْب، ولَيسَ الحَصْر، وجامِعُها المشتَرَكُ وجِماعُها التَّلفيقُ بين “التَّبريــرِ“ و“التَّسويــغِ“ النَّابِــعُ -لأنَّنا ما زلنا نَظُنُّ فيهم خيرًا، ونَحسِبَهُم من الصالِحِين- من ضَعفِ البَصيرَةِ… وبالتالي قِلَّةِ الأهلِيَّةِ… عند قِيادَةِ حَرَكَةِ (حماس). وعليه؛ أرجو منهم ولهم قَرارَ العَيْنِ، وسَكينَةَ النَّفسِ، وعَدَم اتِّخاذِ حُجَّةِ أنَّنا -كِيانات أو أشخاص- نُنازِعُهُم استقلالِيَّةَ قَرارِهِم! ومَكانَتَهم التي يَستَحِقُّون! أو نُزايِدُ عليهم! بما ذهبوا به أبعَدَ من غيرهِم! أرجو منهم ولهم عدم اتخاذِ هذه الحُجَّةِ المُتَهافِتَةِ المُبتَذَلَةِ مُسَوِّغًا لِعَدمِ قَبولِ النَّقدِ البَنّاءِ، أو النُّصحِ الشرعيّ… ولكِنّا بالمقابل -ولأنَّ الكَوْنَ يَكرَهُ الفَراغ- نُنَبِّهُهُم بحِفظِ سِلعَتِهِم؛ باستِدامَةِ الزيادَة…! ورِعايَةِ مَكانَتَهِم؛ من التَّرَدِّي والانتِكاس والارتِكاس…!
إنَّ عَصرَ إحراجِ الناسِ بِكَونِكُم من خَيرِ المَوْجود…! وإلقامِهِمُ الحَجَر بِوَصفِكُم القائِمين/الظاهِرين بالحَقِّ! الذين لا يَضُرُّهُم من خالَفَهُم! ولا مَن خَذَلَهُم…! واستِفراغِ طاقَاتِهِم في العَمَلِ والتَّنفيذِ، على حسابِ العِلمِ والتَّخطيطِ… وغَلَبَتِهِم ودَمْغِهِم بما لا سَبيلَ لانْفِكاكِهِم منه، أو قُدرَتِهِم على دَحضِهِ، من مُعادَلاتٍ وتَوازُناتٍ مَحَلِّيَّةٍ (قِطاعُ غَزَّة المُحاصَر)! وَوَطَنِيَّةٍ! وإقليمِيَّةٍ! ودَولِيَّة! غايةٍ في التَّعقيدِ، ليس عليكم أنتم -يا سادة- أثَرُها وحسْب، وإنَّما على الجميع؛ مِمَّا أَنَّـتْ منه أكتافُهُم، وأُنهِكَتْ أنفُسُهُم، وانْتُقِصَتْ إنسانِيَّتُهُم، وأُهدِرَتْ أعمارُهُم… إنَّ هذا العَصرَ قد وَلَّى بغيرِ استئذانٍ، ولا رَجْعَةٍ، ولا أَسَفٍ! وعليه؛ فإنَّ مَن أرادَ في أيامِنا هذه إدارَةَ وقيادَةَ الناس -وبالكاد! يُسْلِسون قِيادَهُم- إلى تحقيقِ رُؤيَةٍ ما، وَجَبَ عليه (شخصًا كان أم كِيانًا) ولَزِمَهُ أن يحترمَ إرادَتَهُم… وإدارَتَهُم… بالسَّيرِ معه/معهم على بصيرةٍ من ثُلاثِيَّةِ: النَّقلِ الصَّحيحِ (إن كانوا مُسلِمين)، أو العَقلِ الصَّريح، أو الفِطرةِ السَّليمَة. والحمدُ للهِ، أن باتَ هذا الوُجوبُ ضرورَةً لازِبَةً… لا خِيارًا يختارُهُ المديرُ أو القائِدُ ويَنتَقيهِ. هذا كله؛ ونحن نَتَفَهَّمُ مُبَرِّرَ الحقيقةِ الفطريةِ أنَّ: “العِبْرَةَ بكَمالِ النِّهايات لا بِنَقْصِ البِدايات“… ولكن؛ لِسَنَوات يا سادَة… وليسَ لِعُقود!!
الناضِجُ بِفَهمِهِ وتَصَوُّراتِهِ… والمُعايِشُ لمَجرياتِ الأحداثِ واتجاهاتِها في واقِعِ أمَّتِنا العربِيَّةِ الإسلامِيَّةِ في السنَواتِ الأخيرة… يَخلُصُ إلى يقينٍ فَحواهُ أنَّ مَسيرَةَ تَغييرِنا وتَحَرُّرِنا ونَهضَتِنا أطْوَلُ مُدَّةً، وأبْعَدُ مَدىً، مِمَّا كان يَتَصَوَّرُ/يُتَصَوَّرُ… وهذا بدَورِهِ يُلزِمُ مَن سَلَكَ طريقَ التغييرِ والتَّحريرِ والنهضةِ استِشرافًا للمُدَّةِ والمَدى في التخطيطِ والإعدادِ؛ يُكافئُ هذه القَناعة الناضِجَةِ… والمُستَجِدَّة… وإلا؛ فلا أرضًا سيَقطَع… ولا ظهرًا سيُبقي… والسادَةُ في حركة (حماس) مَعنِيُّون أكثر من غيرهم بالتِقاطِ وتَبَنِّي هذه اليَقينِيَّةِ، والعملِ بمُقتَضاها وعلى هُداها، بِوَصفِهِم قائمين على مَوقعٍ مَركزيٍّ من قضايا الأُمَّةِ الإسلامية، لا بل والإنسانِيَّةِ جَمعاء… ولَعَلَّ هذا هو “مُبَـرِّرُ“! لَوْذِهِم ولُجوئهِم مؤخرًا إلى عُمومِ العُمومِيّات، وَوُضوحِ الواضِحات، وإجمالِ المُجمَلات، في وضعهم لوثيقَتِهِم السياسِيَّةِ الأحدث “وثيقةُ المَبادِئ والسِّياساتِ العامَّة“… ولكنه -في الحَقيقَةِ- مُجَرَّدُ “مُسَوِّغٍ” للهُروبِ إلى الأمامِ؛ مِمَّن لَم يجتَهِدَ الواجِبَ عليه في العِلمِ والمُعالَجات (وليس مُجرَّدَ الإعلام! والمُناوَرات! والمُجامَلات!) خلال العُقودِ الثلاثَةِ الماضِيَةِ من عُمُرِ حركَتِهِم… فمَثَلُهُم في هذا مَثَلُ المُعَلِّمِ المُقَصِّرِ المُتَهاوِنِ بالعملِ على إحكامِ مَفاهيمِ وتَصَوُّراتِ دَورَتِهِ (Course)، فعندما قُدِّرَ له الوُجودُ على مِنَصَّةِ التَّقديم، ومِحَكِّ التَّعليم، ارتَبَكَ وأربَكَ، وبَهَتَ ودَهَشَ، فَلاذَ وَلَجَأَ -اضطِرارًا- إلى العُمومِيّاتِ والواضِحاتِ والمُجملاتِ من المفاهيمِ والتصورات، واستِعطافِ التشجيعَ النفسيّ، واستِدعاءِ التضامُنَ الشُّعورِيّ، من قِبَلِ المشاركين؛ من أجلِ “تَسويغِ” تَمريرِ الحال كيفَما اتُّفِق/يُتَّفَق؛ للوُصولِ بالدَّورَةِ إلى نِهايَتِها بأقلِّ الخسائر… وعلى أَيَّةِ شاكِلَة!
أدرِكُ تمامًا -لِرَصيدِ رجالِها، ومَركَزيَّةِ قَضِيَّتِنا/قَضِيَّةِ الأُمَّة- أنَّ الاتجاهَ السائِدَ في صالِحِ ما تُبرِّرُهُ! وتُسوِّغُهُ! حَرَكَةُ (حماس) من مواقِفَ عِلمِيَّةٍ وعَمَلِيَّةٍ على السَّواء، دون تفريقٍ من قِبَلِ عُمومِ الناسِ ونُخَبِهِم بين ما هو تَبْرير! وما هو تَسْويغ! ولا كبيرَ مُقاوَمَةٍ من جَماهيرِها المناصِرَةِ والمُوالِيَةِ… وكنتُ -وما زلتُ- أراقِبُهُ عن كَثَبٍ واجتهادٍ؛ عَلَّهُم يأخذونَ في اعتِبارِهِم ومَسيرَتِهِم النَّقْدَ البَنّاء والنُّصحَ الشرعيّ، والإفادَةُ منهما في رَدْمِ الفَجْوَةِ بين مَوْجودِهِم… ومَنْشودِهِم… دون أجْرٍ، إلا المَوَدَّةَ والوَفاءَ في القربى والخِبْرَة… وحتى هذا الاستِثناء؛ أنا مُتَنازِلٌ عنه، من أجلِ قضيةِ الأُمَّةِ الإسلامِيَّةِ المركزية، وإحقاقِ حقٍّ وإبطالِ باطِل. ولا بأس عندي على مَن أراد التَّشَبُّعَ! بحقائقِ وأفكارِ وآراءِ مَقالِنا/خِطابِنا المفتوح هذا… فشريعَتُنا الإسلامِيَّةُ قَرَّرَت حقيقَةَ أنَّ اللهَ ﷻ يُؤَيِّدُ دينَهُ حتى بالشَّخْصِ الفاجِر!
إنَّ مِعيارَ مُوالاةِ العربيّ والمسلِمِ لنا؛ نحن الفِلَسطينِيِّين: قائِمين وعامِلين من أجلِ قَضِيَّةِ المسجِدِ الأقصى (نُؤَكِّدُ في هذا السِّياقِ حقيقةَ (Fact) أنَّ المسجِدَ الأقصى الذي بارَك اللهُ ﷻ حولَهُ هو أحَدُ المساجِدِ الثلاثَةِ المُفَضَّلَةِ والمُفَصَّلَةِ في شَريعَةِ الإسلام؛ التي لا تُشَدُّ الرِّحالُ إلا إليها… وليس بأيِّ حالٍ من الأحوالِ “ثالِثُ الحَرَمَيْن الشَّريفَيْن“؛ فحَرَمَيِ الأُمَّةِ الإسلامِيَّةِ الشريفَيْن وحسْب هما: الحَرَمُ المَكِّي؛ والذي حَرَّمَهُ إبراهيمُ عليه السلام، والحَرَمُ النَّبويّ المَدَنِيّ؛ والذي حَرَّمَهُ خاتَم الأنبياء والمرسلين محمد ﷺ. وعليه؛ باتَ واجِبًا تَجلِيَةُ واستِنكارُ عِبارَةَ “ثالِثُ الحَرَمَيْن الشَّريفَيْن” الموهِمَةَ الخاطِئَةَ، وغيرَ المشروعَةِ، حَولَ المسجِدِ الأقصى والقُدس)، إنَّ مِعيارَ مُوالاتِهِ ونُصرتِهِ لنا هو بِمِقدارِ تمثيلِنا لشريعَتِهِ الإسلامِيَّةِ فيه… وليس لِجِهَةِ غَلَبَةِ تَوازُناتِنا السياسية، أو مُناوَراتِنا الإعلامية، أو حِنكَةِ تخريجِ مُسَوِّغاتِنا الذرائِعِيَّة الذاتية… وعليه؛ فلنَتَعاهَد استِدامَة (الاستدامة “Sustainability” = الاستمرارية + العَطاء + التطوير) هذا المعيار من المُوالاةِ والنُّصرَةِ بالمعالجاتِ العِلمِيَّةِ، و”عملياتِ العقلِ المفتوح“، والشَّفافِيَّة… دون اللُّجوءِ إلى “التَّبْريرات” إلا عند الضرورَة، وبأسبابٍ صَحيحَةٍ مَقبولَة… هذا فضلًا عن استِمراءِ “المُسَوِّغات” للأسبابِ المُبتَدَعَةِ، والمُرضِيَةِ للنَّفْسِ، وحسْب.
من الضَّرورِيِّ أن تُدرِكَ حَرَكَةُ (حماس) حقيقةَ أنَّ مُحِبِّي وأنصارِ القضِيَّةِ الفلسطينِيَّةِ من أبناءِ المجتمَعِ الفلسطينيِّ وغيرهِم من أبناءِ الشعب العربيّ والأمة الإسلامِيَّة، وعلى الأخَصِّ منهم مُواطِني المملكة العربية السعودية ومُقِيمِيها، وكاتِبُ هذا المَقالِ/الخِطابِ المفتوح منهم (لأنَّ ما عَزَّزَتهُ القرائِنُ والمَواقِفُ عندي، ولأكثَرِ من عشرينَ عامٍ مَضَت، أنَّ زاويَةَ نَظَر حركة (حماس) ونظرتَها لهم لا يعدو صندوق تَبَرُّعاتٍ وافِرٍ، أو استِثْماراتٍ أَوفَر… لا أفكار منهم تُنتَظَر! ولا تَوصِيات تُقَدَّم! ولا حُلولَ تُرتَجى!). من الضروريِّ إدراكِها أنهم يملكون ما هو أكثر وأغلى من مُجَرَّد تبرُّعاتٍ مالِيَّةٍ؛ تَحرِصُ حَرَكَةُ (حماس) وأتباعُها أن تُقَدَّمَ من خلالها… لقضيةِ الأُمَّةِ المركزية، ومُجتَمَعِ فلسطين الهُمام… من أجل هذا، وغيره، سأسعى -إن شاء الله- بِكُلِّ ما أوتيتُ من إمكانات العَمَلِ الإستراتيجيِّ على بَثِّ تَجارِبَ، وحَقائقَ، وآراءِ، وأفكارِ، مَقالي/خطابي المفتوح هذا، وعلى أوسَعِ نطاقٍ بين أبناءِ مُجتَمَعي الفلسطينيّ، وشَعبي العربيّ، وأُمَّتي الإسلامية، وبِعِدَّةِ لُغاتٍ حَيَّةٍ… وعلى السَّواءِ؛ مَن وافَقَني الموقِفَ منهم أو خالَفَني… وهذا؛ بُغيَةَ رَفعِ وتَقويَةِ جهازِ مَناعَتِهِم السياسيّ من ناحِيَةٍ… ومن ناحِيَةٍ أخرى؛ لِرَفعِ مَنسوبِ “وَعيِ/إدراكِ المُستَهلِك” “Consumer Awareness”… فإنَّ مِن قَطعِيَّات عِلمِنا الإداريِّ الاختصاصيِّ أنَّ هذا المنسوبَ يُعتَبَرُ أهَمَّ مِعيارٍ مُحَدِّدٍ وحاسِمٍ لمستوى التَّدافُعِ الإيجابيّ… ومَلَكَةِ التَّبايُعِ المُدرِك… لِـما يُقَدَّمُ من قِبَلِ “مُزَوِّدِي المُنتَجات والخَدَمات” في السُّوقِ العالميّ… والعَكسُ صحيح. وكَذا الحالُ -للأسف- في سُوقَي/عالَمَي السِّياسَةِ! والإعلام!
ولو سَلَّمنا جَدَلًا لـقِيادَةِ حَرَكَةِ (حماس) بأنَّ ما كان منهم تَبْريرًا! وليس تَسْويغًا! فإنَّ سؤالًا استِفهامِيًّا استِنكارِيًّا عامًّا يَطرَحُ نفسَهُ بقوَّةٍ، وبشكلٍ ضاغِطٍ: هل هذا ما يُتَوَقَّعُ ويُنتَظَرُ مِمَّن يقودُ ويُوَجِّهُ؟! أهُوَ الاجتهادُ في تبريرِ سُلُوكاتِهِ؟! أم التَّبيينُ للمَوجودِ والإلهامُ للمَنشود؟ هل أنتم بالأساسِ رافِعين دافِعين مُلهِمين، يا سادة، أم مَرفوعين مُبَرِّرين ذَرائِعِيِّين؟!
سألني أحدُ الإخوةِ الكرام، مِمَّن جَمَعَتْني بهم تَجارِبُ حركة (حماس)، وعايَشَ معي التَّجَلِّياتِ الثلاثَةِ أعلاه جميعَها، ومُشارَكَتِهِ -مَشكورًا- تقديمَ المشورَةِ حول مَقالي/خطابي المفتوح هذا أيضًا، سألني سؤالًا عَمَلِيًّا: ما هو مُتَطلَّبُ تأدِيَةِ (التَّأدِيَة (Performance) = التَّخطيط (Planning) + التَّنفيذ (Executing)) مُقتَرَحِكُم في تأسيسِ النَّظريَّةِ السياسِيَّةِ الإسلامِيَّةِ المعياريَّةِ المَرجِعِيَّةِ (نَسامّ) لو عَزَمنا الشُّروعَ بِبَلوَرَتِها وبِنائِها في الحال؟ فكان جوابي الإجماليّ كالآتي: إِفْرادُ أحدِ الفِلَلِ الممنوحَةِ من الحكومَةِ القَطَرِيَّةِ لسُكنى السادة أفراد قيادة حركة (حماس) من أجلِ مشروعٍ مُدَّتُهُ ما بين اثنَيْن وثلاثين إلى سِتٍّ وثلاثين (36-32) شهر، بِجَعلِها “غُرَفَ عَمَلِيَّات” “War Rooms” لتَنفيذِ خُطَّةٍ إداريةٍ موضوعَةٍ مِهْنِيًّا، من قِبَلِ فريقٍ مُنتَقًى مِنَ الشَّبابِ “20-30 سَنَة” والرِّجالِ “30-40 سَنَة” بناءً على تَوْصِيفٍ وَظِيفِيٍّ دقيق، لتحقيقِ أهدافٍ ذَكِيَّةٍ “SMART” غايَتُها “Goal” بناء النظرية “Theory” (نَسامّ)، من مُنطَلَقِ وعلى أساسِ ثلاثية: النقل الصحيح، والعقل الصريح، والفطرة السليمة، وبآليَّةٍ مواصفاتها: الأصالة والمعاصرة والإبداع، وذلك من خلال اتخاذِنا حركة (حماس) أُنْمُوذَجًا “Model” بَحثِيًّا وتَطويرِيًّا لتَجسيدِ ذات النظرية؛ من خلال تَفريغِ ما في جِعابِ (جَمْعُ جَعْبَة) جميعِ كُهولِ! وشُيوخِ “50-60 سَنَة”! وهَرِمون “60-فما فوق”! قيادة الحركة من تَجارِبَ (لأنَّ ما في جِعابِهِم للآن يُعتَبَرُ بمُجمَلِهِ مُجَرَّدَ تَجرِبَةٍ “Experience”! وليس خِبرَة “Expertise”!) مَسبوقَةٍ وغير مَسبوقةٍ، وبِتَداؤُبٍ/تَضافُرٍ مع العُلومِ السِّياسِيَّةِ (العَقْلِ الصَّريح)، والسِّياسَةِ الشَّرعِيَّةِ (النَّقْلِ الصَّحيح)… ومن ثم نَشرَعُ بِوَضعِ المِعيارِ السياسيِّ القياسيِّ (Political Standard) الإسلاميِّ بناءً على النظريةِ (نَسامّ)… لِسَيرِ شعوبِ الأُمَّةِ الإسلامِيَّةِ المُختَلِفَةِ والمُتَنَوِّعَةِ مع حَرَكَةِ (حماس) -أو مَن يَتَبَنَّى مُقتَرَحِنا الإستراتيجيّ- على بَصيرَةٍ، وبموجِبِ مَنهجياتٍ (Methodologies) مُختَلِفَةٍ ومُتَنوِّعَةٍ، ومُنبَثِقَةٍ عن نَفسِ المِعيارِ القياسيِّ (Standard)...
طَيِّب، إن كان تَوَجُّهُكُم/مَوقِفُكُم النَّفسِيُّ “Attitude”، أيها السادة في حركة (حماس)، التَّخَنْدُقُ وَالتَّتَرُّسُ والعِنادُ فيما تعتقدون حَقَّهُ وصَوابَهُ وصِحَّتَهُ… وعدم اعتِبارِكُم، أو حتى اكتِراثِكُم، للرأيِ الآخر (طبعًا، هذا لاعتِبارِ أنكم -بحَسَبِ الزِّيادَةِ الحَديثِيَّةِ المُنْكَرَةِ والضَّعيفَة– القائِمونَ على الحَقِّ! الذين لا يَضُرُّهُم من خالَفَهُم!! ولا مَن خَذَلَهُم!!! حتى يأتِيَ أمرُ اللهِ، وَهُمْ كَذَلِك!!!!)، وما يستَنِدُ عَلَيهِ/إلَيهِ مِن أدِلَّةٍ وحُجَجٍ وبَراهينَ وَوَقائِع… فلماذا -وهذا شأنُكُم- تَلُومُون صاحبَ الرأيِ الآخر -شخصًا كان أم كِيانًا- في تَخَندُقِهِ وَتَتَرُّسِهِ وعَمَلِهِ على مَكانَتِهِ، وبما يعتقِدُ أنَّه الحَقُّ والصَّوابُ والصَّحيحُ؟!! أين المِظلَّة/المِعيار القِياسِيّ المرجِعِيّ المفروضُ اجتهادِكُم على بَلوَرَتِهِ وتَقديمِهِ لأنفسِكُم وللآخَر، وللأُمَّة قاطِبَة، خلالَ العُقودِ الثلاثَةِ الماضِيَة، بما يُتيحُ للجَميعِ الاستظلال به، وسَقْفٍ للعَمَلِ المشتَرَكِ البَنّاءِ للعَمَلِ بِمُوجِبِهِ؟!! إن لم يكن هذا التَّوَجُّهُ/الموقِفُ النَّفسِيُّ هو ما يُوصَفُ ويُتَّهَمُ به مَن يُصنَّفون بالإسلامِيِّين، وحركة (حماس) منهم! مِن فَوقِيَّةٍ، و “أُحادِيَّـــةِ” نَظَرٍ ونَظْرَةٍ وفَهْمٍ وتَصَوُّرٍ، فماذا يكون إذًا؟!
فلتَعلَم حركة (حماس) أنَّ هذا أمرًا لا يُسوَّغُ ولا يُستَساغُ، لا بل ولا يُشَرِّفُ، كثيرًا من أبناءِ المجتَمَعِ الفِلَسطينيِّ العَرَبيِّ المسلِم. ولا يفوتُني، عدلًا وإنصافًا، أن أبيِّنَ أنَّ التَّوَجُّهَ/المَوقِفَ النَّفسِيَّ الخاطئَ السَّلبِيَّ هذا هو أَحَدُ (أؤَكِّدُ؛ أنه أحد؛ وليس كل) أهمِّ الأسباب/الفِتَن وراءَ ظُهورِ مُعظَمِ رُدودِ الفِعلِ المتطرِّفَةِ والعَنيفَةِ، من قِبَلِ الأشخاصِ والكِيانات الأخرى ضد حركة (حماس) وقيادَتِها في ساحَةِ مُجتمعِنا الفِلَسطينيّ… أو على الأقلّ إظهارهِم اللّافَعَّالِيَّةَ/السَّلبِيَّةَ “Passivity” وقِلَّةَ الدَّعمِ في تَعاطيهِم القَضايا والمستَجَدَّات معها… هذا فضلًا عن عُمومِ الساحَةِ العربية والإسلامية… وليس كُرهًا وَتَآمُرًا منهم على الإسلامِ؛ دينًا وشريعَةً ومنهاجًا… كما تجري محاولاتُ تَسْوِيغِهِ… وَتَبْلِيعِه!
أهيبُ بِمَن قد يَنتابُهُ شعورُ أو تساؤلُ: لِمَ لَمْ تُحاوِر بحقائِقِ وأفكارِ وآراءِ مقالِكَ/خِطابِكَ المفتوح هذا حَرَكَةَ (حماس) نفسها؟! أهيبُ به/بها التَّفَضُّل بالمبادَرَةِ لذلك من طَرفِهِ/طَرَفِها؛ فإني اجتَهَدتُ ذلك من طَرَفي، لكن -للأسف- دون جدوى… ولا حَياةَ لمن تُنادي… وقد عَزَمتُ ألا أذهب مع إخواني في قيادة حركة (حماس) أبعَدَ مِمّا ذَهَبْتُ؛ فالأمر أضحى مصدَرَ إهانَةٍ للسُّمعَةِ! وتَوْهينٍ للعَزيمَة!
سأكونُ من أسعَدِ الناسِ إنْ تأكَّدَ لي أنَّ السادَةَ في مَكتَبِ حركَةِ (حماس) السياسيّ سوف يُحَلِّلون ويُناقِشون مَقالي/خِطابي المفتوح (هذا مع إعذاري إلى الله ﷻ، ثم إلى الناس، في كَونِهِ مَقالٍ/خِطابٍ مَفتوح) للخَلوصِ إلى ما فيه جَسْرُ الهُوَّةِ بين مَوْجُودِهِم… ومَنْشُودِهِم… كما فَعلوا من قبلِ أكثرِ من عَقدَيْنِ من الزمن، في عام “1994م” من تَحليلِهِم ومُناقَشَتِهِم تَقريري (سبع صفحات، والمفروضُ أنه ضِمنَ أرشيفِهِم) المُقدَّم إليهم حول نَواةِ عملهم في جنوب شرق آسيا آنذاك؛ والذي كان مُمَثَّلًا بمؤسسة الأقصى – إسلام أباد – باكستان. والذي أكَّدَ لي فِعلَهُم في التَّحليلِ والمُناقَشَةِ والأرشَفَةِ أ. أبو الوليد مَشعَل في أحَدِ الاجتماعاتِ في مَكتَبِهِ في شارع (الجاردنز) – عَمّان – الأردن، إبّان تَوَلِّيهِ مَنصِبَ نائب رئيس المكتب السياسيّ.
أفتَرِضُ! سَعادَةَ واحتِفاءَ الإخوة في قيادةِ حركةِ (حماس)، وغيرهم؛ مِمَّن لا أعلَمُهُم واللهُ ﷻ يَعلَمُهُم…! بِمَضْمُونِ وجَوهَرِ مقالي/خطابي المفتوح هذا؛ لما سَيُحَقِّقُ -بإذن الله- من رَفعٍ وتَقويَةٍ للمَناعَةِ… ومَنسوبِ وَعيٍ وإدراكٍ يُشَكِّلُ رافِعَةً لهم، ولمن يسيرُ في رِكابِهِم، في مَسيرَةِ التغييرِ والتَّحَرُّرِ والنهضَة؛ والتي من الواضِحِ أنها أثقَلَتهُم وناءُوا بِحِملِها…!! وبما يُحَقِّقُ كذلك البَصيرَةَ المشتَرَكَةَ في سَبيلِ دَعوَتِهِم إلى اللهِ الواحِدِ الأحَد… فالهَمُّ والاهتِمامُ والهِمَّة، في صَدِّ أخبَثِ وأشدِّ عَدُوِّ للذين آمنوا، هَمُّ واهتِمامُ وهِمَّةُ الجَميعِ؛ بما مُؤَدّاهُ مَزيدُ بَصيرةٍ، وبالتالي جَدارَةٍ وأهلِيَّة… وعليه؛ أرجو من حركةِ (حماس) ولهم التَّعاطي مع مَضمونِهِ بمسؤولِيَّةِ وأمانَةِ المُعالَجات والمُراجَعات العِلمِيَّة، وعَمَلِيَّات العَقلِ المفتوح… وعَدَمِ إخضاعِهِ لِغَلَبَةِ تَوازُناتِهِم السِّياسِيَّةِ، وتَفَوُّقِ مُناوَراتِهِم الإعلامِيَّة، وتَبْلِيعِ (مِن بَلَعَ) مُسَوِّغاتِهِم المُستَمرَأةِ… فمِمَّا هو معلومٌ لِأُولي النُّهى: أنَّ الجيوشَ لا تستَطيعُ إيقافَ حقيقةٍ أو رأيٍ أو فِكرةٍ قد آنَ أَوانُها… واللَّبِيبُ من الإشارةِ يفهمُ.
أدركُ تمامًا أنَّ أنصارَ كَلامي وطَرحي أعلاه في أيامنا هذه قليلون، ودُعاتُهُ مُحارَبون، ومَن يحمِلون رايَتَهُ مُقاوَمون مُتَّهَمون… لكن، وبِرَغمِ هذا الإدراك؛ فإنَّ يقيني لا يخالِجُهُ شكٌّ أنَّ القادِمَ الوَشيكَ بإرهاصاتِهِ وأَعراضِهِ سيكشِفُ للجميع، ما كَشَفَهُ الحاضِرُ القائمُ عن ماضٍ قريب… إن لَم نَتَدارَك أمرَنا، بِسَحبِ فَتائِلِ الانفِجارِ! وعَوامِلِ الانكسارِ! وتَعاهُدِ سَبيلِنا عِلمِيًّا وعِلاجِيًّا؛ بمراجَعاتٍ وتَراجُعاتٍ جوهرية، وعَمَلِيًّا بـ “عَمَلِيّات عَقْلٍ مَفْتوح“ شُجاعَة… وعلى كل حال؛ مَقالي هذا، ومَوقِفي بناءً عليه، بالنسبة لي، هو من مُوجِباتِ الإعذارِ إلى اللهِ ﷻ، وضروراتِ إبراءِ الذِّمَّة، ولَعَلَّ إخواني في قِيادَةِ حركة (حماس) وغيرهِم يَرعَوُون ويَتَبَصَّرون… وفي نِهايَةِ المَطافِ لا أُكَـلَّفُ إلا نفسي.
تَأنَّيْتُ في كِتابةِ وتَصديرِ مَقالي/خِطابِي المَفتوحِ هذا؛ لاعتِبارِ ما ينبغي من نواحي حِكمَةِ التَّوقيتِ (حيث إني والله! خلال الثلاثين عامًا الماضية لم أستَطِع معرفة متى كان الزمانُ أو التوقيتُ مُلائِمًا في النَّقدِ والنُّصحِ! لهؤلاء! ولماذا هذا الاشتراطُ التَّعجيزِيّ أصلًا؟!)، ولاعتِبارِيَّةِ الأشخاصِ (حيث رَصيدُهُم ومَكانَتَهُم بحسَبِ رَصيدِ ومَكانَةِ قضيةِ الأُمَّةِ المركزية)، وأخضَعتُهُ كذلك لمعاييرَ الاستِخارَةِ الشرعِيَّةِ… والاستشارَةِ لأهل الخِبرَةِ ومَن أحسِبَهُ مِنَ المُخلِصين… والتَّثَبُّتِ العِلمِيِّ مِمَّا هو حَقٌّ وصَوابٌ وصَحيحٌ… في أفضلِ شَهرٍ (رمضان) من عامِنا “1438هــ/2017م“. عسى العزيزُ القديرُ أن يُهَيِّئَ لِكَلِماتي مكانَها في العُقولِ الفاهِمَة، والنُّفوسِ العالِيَة، والقُلوبِ المطمَئِنَّة… وأعزِمُ عليه ﷻ أن يَرزُقَني اتِّباعَ ما هو حَق وصَواب وصَحيح، وأن يُجَنِّبْني صوارِفَهُم…
اللَّهُمَّ، إنَّ رسولَكَ للعالمَين ﷺ قد بَلَّغَنا وبَيَّنَ لنا أنَّ: “مَنِ الْتَمَسَ رِضَا اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ؛ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضى عَنْهُ النَّاسَ، وَمَنْ الْتَمَسَ رِضا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ؛ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَسْخَطَ عَلَيْهِ النَّاسَ” الراوي: عائشة رضي الله عنها – المحَدِّث: الألبانيّ – المصدر: صَحيحُ التَّرغيبِ والتَّرهيبِ – الرقم “2250”. خلاصة حكم المحَدِّث: صحيح. اللَّهُمَّ، سَمِعنا وأطَعنا، غُفْرَانَكَ رَبَّنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.
والسَّلامُ على التَّغييريِّينَ التحريريِّينَ النهضَوِيّينَ في العالَمين.
التاريـــخ: 15، رَمَضان (09)، 1438هـ
الموافق: 10، حُزَيْران (06)، 2017م