مِن وَحـي “طوفانِ الأقصَى” – مَقال (3)
أَلجِمُوا نَزَواتِ العَواطِفِ بِنَظراتِ العُقول
عَزام زَقزوق
مُستَشارُ ومُدرِّبُ وإستراتيجـيُّ إدارةِ مشروعات
إنَّ ممَّا يُساعدُ العُقولَ على لَجمِ نَزْوات العواطف، وانجِرافِ المشاعر، وَخُروجِهِما عن السيطرة، عند الأفراد والمنظمات، النَّظرَ المَوضوعيَّ في الحقائق (Facts) والوقائع، وتسمِيتها بأسمائها، دون تَهْوينٍ أو تَهْويل.
ومن هذه الحقائق الواقعية الجديرة بالنظر، والتمسك، والبَثِّ كذلك… حقيقَتان كَشَفَ النِّقابَ عنهما “طُوفانُ الأقصى” المبارك، وأبرَزَهُما للعِيانِ بِشَكلٍ غير مسبوق.
أولاهما؛ جِهازُ مَناعةٍ مَنِيعٌ على الفَيْروسات
إنَّ مِمَّا كان يُنغِّصُ علينا، ويُحزِنُنا حَدّ الألَم، في معارك المقاومة السابقة ظُهورَ “العملاء” و”المتعاونين” وانكشافَ أمرِهِم من بعد عَيثِهِمُ الفساد، وإدلائهم بالمعلومات التي تُستغل من قِبَل عَدُوٍّ خبيثٍ في إحداث الكوارث في صفِّ المقاومةِ، وحاضِنَتِها الشعبية…
“طُوفان الأقصى” أثبتَ بما لا يدعُ مجالًا للشكّ أنَّ جهاز مناعة “المقاومة” خِلْوٌ من هذه الميكروبات البشرية (العملاء والمتعاونين)
أمّا دليلنا القطعيُّ على هذه الحقيقة فهو استطاعة المقاومة ممارسة “الخِداع الإستراتيجيّ” (Strategic Deception) على العَدُوِّ الصُّهيونيّ، وأجهزته الأمنية، وعلى رأسها جهاز الأمن العام الإسرائيلي المعروف بمختصر “الشَّاباك” أو “الشِّين بِيت” لأكثر من عام…!
قال رسول الله (صلى الله عليه وسلَّم): “الحَربُ خَدْعَة” (البخاريّ).
وعليه؛ فإن لِلمَرْءِ أن يَفعلَ في المعارك والحروب ما لا يُؤْذَنُ له في غَيرِها مِنَ المواطِن، ومِن ذلك: الخِداعُ؛ وهو التَّورِيَةُ والكَذِبُ، إنِ اضطُرَّ إليه…!
وهذا الخداعُ الإستراتيجيُّ ما كان له أن ينجح لو كان بين صفوف المقاومة عميلٌ أو متعاونٌ واحِدٌ فَقَط… فتأمَّلوا!
أمّا ثاني هذه الحقائق؛ إنّ الشَّاةَ لا يَضُرُّها سَلخُها بعد ذَبحِها
إنَّ تقدير العُقَلاء، أخيارًا كانوا أم أشرارًا، فيما يُقْدِمُون عليه، أو يُحجِمُون عنه، مَرهُونٌ بِوَزنها بميزان الربح والخسارة…!
وَوَزنُ الفِلَسطيِنيِّ، صاحبِ الحقِّ، للأحداث القائمة بهذا الميزان مُؤَدَّاهُ حقيقة العبارة التاريخية أعلاه؛ والتي خاطبت بها أسماء بنت أبي بكر ابنها عبدالله بن الزبير عندما استشارها في الإقدام على مقاتلة جنود الحجاج بن يوسف الثقفيّ… رضي الله عنها وعن أبيها وابنها؛
وهذا مُؤَدّاهُ في نهاية المطاف الإقدام و”الطُّوفان”… لأنه لم يتبق للفلسطينيّ ما يخسره من بعد: اغتصاب أرضه، وسلب حقه، وإذلال أبنائه، وإهانة الأَسرى، وانتهاك المَسرى…
أما وزنُ الصهيونيّ الغاصب لذات الأحداث بميزان الربح والخسارة نفسه فإنَّ مُؤَدَّاهُ ومَآلَهُ الإحجامُ وعَدَمُ المُضِيِّ قُدُمًا أمام هذا الإقدام الطُّوفانيّ؛ لأن الذي حققه من: اغتصاب، وسلب، وانتهاك… على مدى قرن مضى سيخسر منه الكثير؛ في مُضِيِّهِ قُدُمًا.
وهذا كله كان، وسيكون، بإذن الله في سياق حقيقةٍ إيمانيَّةٍ يَقِينِيَّةٍ فحواها أَنَّنا: نرجو من الله ما لا يرجون.
اللهم؛ نصرك وفتحك المؤزر لعبادك المؤمنين، وصَونًا وتشريفًا لأولى قِبلتَيك، وثالث مَسجِدَيك؛ المسجد الأقصى.
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وهو حسبنا ونعم الوكيل،،،
التاريـــخ: 27، ربيع الأول (03)، 1445هـ
الموافق: 12، أكتوبر (10)، 2023م