“عَمَلِيَّاتُ العَقْلِ-المَفْتوح” (Open-Mind Surgeries) – حَلْقَة (4)
بين التَّقْييــسِ والإنهاج (Methodizing)
عَزام زَقزوق
مُستَشارُ ومُدرِّبُ وإستراتيجـيُّ إدارةِ مشروعات
إنَّ في التَّقْييسِ/المَعْيَرَةِ القِياسِيَّةِ (Standardization) لإدارَةِ الأعمالِ المشروعاتية حَلٌّ لمشكِلَةٍ، وتَلبِيَةٌ لحاجَةٍ، واغتِنامٌ لفُرصَةٍ. بِغَضِّ النَّظر عَمَّن كان وراء هذا العمل الإستراتيجيّ؛ معهد إدارة المشروعات (Project Management Institute – PMI) أو غيره من المنظَّمات ذات الصِّلة والاختِصاص؛ ما دام الذي يُقَدَّمُ من تَقْييسٍ/مَعْيَرَةٍ قِياسِيَّةٍ يَتَّصِفُ بخَصيصَتَيْنِ اثنَتَيْن مُجتَمِعَتَيْن؛ هما: العُمومِيَّةِ والشُّمولِيَّةِ (Universality)، وقابلِيَّةِ التَّطبيقِ (Applicability)، على الأعمال المشروعاتية في المجالات التطبيقية المختلفة، والصِّناعات (Industries) المتَنَوِّعَة، في واقِعِ البَشَرِيَّة.
لمــــــــاذا؟
بإيجازٍ كُلِّي؛ لتَزايُدِ الاهتمام وتَعاظُمِ المَيل في السُّوقِ العالميِّ قاطِبًا باتِّجاهِ المقارَبَةِ والأسلوبِ المشروعاتيِّ (Projectized) في إدارةِ الأعمالِ الاستِثْماريَّةِ وغَيرِها؛ ومَرَدُّ هذه الظاهِرَة بالأساسِ سَبَبانِ مَوْضوعِيَّانِ ظاهِرانِ ومُعاشَان؛ هما: ازدِيادُ “السُّرعَة المُتَّجِهَة” (Velocity) للسُّوقِ العالَمِيّ… وتعاظُمُ “التَّعقيدات” (Complexities) فيه…
أما مَنشَأُ أولاهُما فهو تَغَلْغُلُ عامِلَي تِقْنِيَّة المعلومات (IT) والاتصالات/المُواصَلات عن بُعد (Telecommunications)… ومَنْشَأُ ثانيهِما سُعارُ “التَّنافُسِيَّة” (Competitiveness) المَحموم… ما كان مُؤَدّاهُ اختيارُ المستَثْمِرين وصُنّاعُ القرار المقارَبَةَ المشروعاتيَّةَ في الاستِجابَةِ للحالَةِ الموضوعِيَّةِ هذه؛ حيث توافُرُ المُرونَةِ والتَّكَيُّفِيَّةِ (Agility) من ناحية، ومن ناحيةٍ أخرى؛ وَجَدوا فيها النَّفْعَ الأعظَم والاستِغلالَ الأمثَل للمَوارِد (بَشَرٍ، ومُعَدّاتٍ، ومَوادّ، ولَوازِم “Logistics”) بما يُفضي إلى رَفْعِ الإنتاجِيَّةِ… وبالتالي العائدِ على الاستِثمار (ROI). فمِن بَدَهِيّات فَهْمِ وسُلوكِ البَشَر تَكْييفُ السَّرجَ للفَرَس! لا تَكْييف الفَرَس للسَّرج! بمعنى؛ يُكَيِّفون مُقارَبَتَهُم الإداريَّة (السَّرج) بما يخدِمُ طبيعَةَ أعمالهِم (الفَرَس)… والعَكْسُ غيرُ صحيح.
أضحَت الحاجَةُ ماسَّةً لوُجودِ لُغَةٍ مشترَكَةٍ في إدارةِ الأعمالِ المشروعاتيَّةِ في عالَمِنا المُتقارِب “الزَّمَكانِ” (Spacetime)، والمتواصِلِ الأركانِ، بشكلٍ غير مسبوق؛ وهذا من خلال مِعيارٍ قِياسِيٍّ (Standard) واحِدٍ مُوَحَّدٍ لإدارة المشروعات.
بناءً على هذا الأمر البَدَهيَّ؛ أضحَت الحاجَةُ ماسَّةً لوُجودِ لُغَةٍ مشترَكَةٍ في إدارةِ الأعمالِ المشروعاتيَّةِ في عالَمِنا المُتقارِب “الزَّمَكانِ” (Spacetime)، والمتواصِلِ الأركانِ، بشكلٍ غير مسبوق؛ وهذا من خلال مِعيارٍ قِياسِيٍّ (Standard) واحِدٍ مُوَحَّدٍ لإدارة المشروعات؛ نَتَبَنّى فيه الأجدَرَ والأكثَرَ أهلِيَّةً في تحقيقِ العُمومِيَّةِ والشُّمولِيَّةِ من ناحية، وقابلِيَّةِ التَّطبيق على الأعمال المشروعاتية في المجالات والصِّناعات المُتَعَدِّدَة من ناحيةٍ أخرى، من بين المنهجيات (Methodologies) المختلفة والمتَنَوِّعَة؛ من مِثل (PRINCE2)، و(Waterfall)، و(Agile)، و(ITIL)، و(Scrum)، و(PRiSM)… وغيرها. كُلُّ ما مضى ذِكرُهُ؛ أتى من ناحِيَةِ “المُعاصَرَةِ” العَقلِيَّةِ الصَّريحَة.
أما من ناحِيَةِ “الأصالَةِ” النَّقلِيَّةِ الصَّحيحَة؛ فقد أوصانا رُسولُ رَبّ العالَمين صلى الله عليه وسلَّم بأن: “… احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ…” (مُسلم). وقد ثَبَتَ في تاريخِ الإنسانِيَّةِ الإسلاميِّ أنَّ نشأةَ النُّظُم الإدارية المُتَمَثِّلَة في الدَّواوين كانت في العام الخامس عشر (15) الهجريّ (636 ميلاديّ)، في عَهْدِ الخُلَفاءِ الرّاشِدينَ الْمَهْدِيِّينَ رضي الله عنهم؛ نتيجة اتِّساعِ دولة الخلافة الإسلامية الراشدة في واقِعِ البَشَرِيَّة حينَذاك؛ وبالذات على أنقاضِ الانكِسارِ السِّياسِيِّ والعَسْكَرِيِّ! لإمبراطورِيّات الكُفْرِ والظُّلْم… واتصال المسلمين الفاتِحين عن قُرب بالأنظمةِ الإداريةِ الفارِسِيَّةِ والبيزَنْطِيَّة في الأقاليم، والتَّعَرُّف عليهما؛ حيث قاموا بالاختيارِ والانتِقاءِ من المَوجود، والتَّكْييف والإنشاء للمَنْشود؛ مِمّا احتاجوا إليه… كما أبقَوا على الكثير من الأنظمة الإدارية التي ثَبَتَ لهم نفعُها وصلاحِيَّتُها.
وفي هذا السِّياق الكُلِّيّ نُؤكِّدُ على رُؤيَتِنا في بناءِ نَظَريَّتِنا (Theory) الإداريَّة الإسلاميَّة المرجعيَّة في إدارة الأعمال المشروعاتيَّة، والمُفضِي بدوره إلى وَضْعِ مِعيارٍ قِياسِيٍّ لإدارَةِ المشروعات (PM Standard) إسلاميٍّ إنسانيٍّ؛ بما يتلاءَمُ مع هُوُيَّتِنا الشرعِيَّةِ المنهجِيَّةِ والثَّقافِيَّةِ اللُّغَوِيَّةِ؛ كما فعل سَلَفُنا الراشدون المهدِيُّون رضي الله عنهم. وكُلُّ هذا على أساسِ ومن مُنطَلَقِ ثُلاثِيَّةِ: النَّقْلِ الصَّحيح، والعَقْلِ الصَّريح، والفِطْرَة السَّليمَة… وبِمُواصَفات: الأصالَةِ والمُعاصَرَةِ والإبداعِ.
تحياتي للتَّغييريِّين النَهضويّين،،،