“عَمَلِيَّاتُ العَقْلِ-المَفْتوح” (Open-Mind Surgeries) – حَلْقَة (28)
… فَهَلْ سَأَلُوا الغَوَّاصَ عَـنْ صَدَفاتي (حافِظ إبراهيم)
التَّفْوِيـض، التَّخْوِيـل، الصَّلاحِيَّة، الإيكـال، النَّــدْب و التَّمْكِيـن
عَزام زَقزوق
مُستَشارُ ومُدرِّبُ وإستراتيجـيُّ إدارةِ مشروعات
مِمَّا لا شك فيه أنَّ لُغَةَ الـمَرءِ وِعاءُ تَفكِيـرِهِ (Thinking) وَفِكرِهِ (Thought) وَأَفكـارِهِ (Ideas)؛ فَمَن كـانَ وِعاؤُهُ مَخرُومًا أَوْ مَـثــلُومًا كـانَــت أَفكـارُهُ كَذلِــكَ…! قال ربُّ العالَـمِين: “… وَأَنزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون“(النَّحــل:44) ورسولَهُ ﷺ المأمورِ بالبَيانِ قد بَعثَهُ بِجَوامِعِ الكَلِمِ… قال ﷺ: “بُعِثْتُ بِجَوامِعِ الكَلِم…“ (البُخاريّ)
بِناءً عليه؛ ولِضَرورة دِقَّةِ اللغة في تَسديدِ فَهمِنا، المُفضِي إلى حُسنِ تَصَوُّرنا، المُفضِي بِدَورِهِ إلى ضَبطِ سُلُوكاتِنا… كان لِزامًا عَلَينا البَيانُ العِلميّ اللُّغَويّ لأكثر الكَلِمات “Words” (ولا نَقولُ مُصطَلَحات “Terms”) استخدامًا في عالَم الإدارة، والتي نَجِدُ أنَّ عُمومَ الناس، والمُتَخَصِّصين، يُواجِهون تحدِّي التفريق، وبالتالي الخَلْط، فيما بينها؛ والكَلمات هي: التَّفْوِيضُ (Authorization)، والتَّخْوِيلُ (Grant)، والصَّلاحِيَّةُ (Right) والإيكـالُ (Assignment)، والنَّـدْبُ (Delegation)، والتَّمْكِيـن (Empowerment).
تَفَضَّلوا بالغَوصِ معي لِتَجلِيَتِها؛ ألفاظًا، ومَعانِـيَ، مع مِثالٍ لِكُلٍّ منها؛ فَبِالمِثالِ يتَّضِحُ المَقال:
- التَّفْوِيـض (Authorization)؛
فَوَّضَ: وكَّلَ بالعمَل/المُهِمَّة، وأعطى حَقَّ الصَّلاحِيَّةِ عليه/عليها، ضِمنَ سِياقٍ مُحدَّد.
أهَمُّ مُؤَشِّراتِ التَّفويضِ: صُنعُ القَراراتِ المناسِبَة، وَتَقديمُ الاعتِماداتِ، وتَطبيقُ مَوارِدِ المشروع، وَإنفاقُ المُخَصَّصاتِ المالِيَّة، وَإنشاءُ أو تَحسينُ الإجراءات.
قال تعالى: “… وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلى اللَّه…“(غافِر:44)
مثال: تَمَّ إصدارُ مِيثاقٍ (Charter) خاصٍّ لِتَفويضِ المُوَظَّف بإدارة المشروع.
- التَّخْوِيـل (Grant)؛
خَوَّل: مَنَحَ سُلطَةً، وأَكْسَبَ حقًّا أو امتِيازًا، وأَعْطَاهُ تَفَضُّلًا.
أهَمُّ مُؤَشِّراتِ التَّخْوِيل: المَنحُ، والامتِيازُ، والتَّفَضُّل.
قال تعالى: “فَإِذا مَسَّ الإِنسانَ ضُرٌّ دَعانا ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا…“(الزُّمَر:49)
مثال: خَوَّلَهَ والِدُهُ إدارةَ شُؤونِ مُمتَلَكاتِهِ؛ باعتِبارِهِ أكبرَ أبنائِه.
- الصَّلاحِيَّة (Right)؛
الصَّلاحِيَّة: حقُّ التَّخوِيلِ على الشيء، وحُسْن الاستِعدادِ له؛ بالتَّصرُّف فيه حَسَب الاختصاص. والصَّلاحِيَّةُ حالةٌ/جُزءٌ من التَّفويض، وليست كُلَّه!
أهَمُّ مُؤَشِّراتِ الصَّلاحِيَّة: الجَدارَة، وحُسنُ الاستِعداد، والاختِصاص.
مثال: أُعطِيَ مديرُ الموارد الصَّلاحِيَّةَ على تَخصيصِ مَوارد المشروع، وتَطبيقِها بِحَسَب الملاءمة.
- الإيكـال (Assignment)؛
أَوْكَـل: أَسنَدَ/سَلَّم أَمْرًا، ووَكَّله بِه، وجَعَل لَه حُرِّيَّة التَّصرُّف في إنجازه.
قال ﷺ: “اللَّهمَّ! رَحمَتَك أَرجو فلا تَكِـلْني إلى نَفسِي طَرْفَةَ عَيْن…“ (صحيح أبي داود)
أهَمُّ مُؤَشِّراتِ الإيكـال: المراقَبَةُ، والضَّبط.
مثال: أَوْكَـل مُديرُ المشروع أَنشِطَةَ المشروع إلى فريقه المُعيَّن.
- النَّــدْب (Delegation)؛
نَدَبَ: دعا إلى العَمَل/المُهِمَّة، ورشَّحَه للقيام به/بها.
“نَدَبَ رَسُولُ اللهِ ﷺ النَّاسَ يَومَ الخَنْدَقِ، فَانْتَدَبَ (أَيْ: فَأَجابَ) الزُّبَيْـرُ رضي الله عنه…“ (مُسلِم)
أهَمُّ مُؤَشِّراتِ النَّدْب: التَّميِيزُ، والاستِحسان، والتَّقدير.
مثال: نَدَبَ الرَّئيسُ وزيرَ الخارجِيَّةِ لِتَمثِيلِهِ في مُؤتَمَرِ الأُمَمِ المتَّحِدَة السَّنَويّ المَعنيّ بِتَغيُّر المُناخ.
- التَّمْكِيـن (Empowerment)؛
مَكَّنَ: ساعَدَ؛ بأن جَعلَ له على الشيء سُلطانًا وقُدرَة.
قال تعالى: “إنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرضِ وَآتَيْناهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا“(الكهف:84)
مثال: مَكَّنَت شركةُ “أمازون لخِدْماتِ الإنتَرنِت” (AWS) شُركاءَها مِنَ التَّحَوُّلِ والإبْداعِ عَبر بَرنامَج تَحَوُّلِ شُرَكاءٍ (PTP) مُخَصَّص.
التاريـــخ: 25، ربيع الثاني (04)، 1444هـ
الموافق: 19، نوفمبر (11)، 2022م