“عَمَلِيَّاتُ العَقْلِ-المَفْتوح” (Open-Mind Surgeries) – حَلْقَة (15)
أَمِيرِكـا التي رَآها سَيِّـد قُطْـب!
حوارٌ واقِعِـيٌّ بين كاتِبِ المقالِ وأَبِيه!
عَزام زَقزوق
مُستَشارُ ومُدرِّبُ وإستراتيجـيُّ إدارةِ مشروعات
قبلَ ما يُقارب الأربعين عامًا شدَّ اهتمامي كُتَيِّبٌ للأديبِ والمفكِّرِ الإسلامـيّ/ سيِّد قطْب (يرحمه الله) بعنوان “أَمِرِيكا التي رَأَيْت“. وقد استَحوَذ عَلَـيَّ مضمونُهُ؛ وتَغَلْغَلَ في فهمِي، وتشكيلِ تَصوُّرِي، حول الأَسْقامِ القِيَمِيَّةِ المادِّيَّةِ في الحضارةِ الأَمِيرِكِيَّةِ… وَالـمُنذِرَةِ بانهِيارِها!!
ولِشِدَّةِ اهتمامي به قمتُ بقراءته عِدَّة مراتٍ! وفي نهاية قراءتي الأخيرة كنتُ جالسًا مُستغرقًا في التأمُّل والتَّصَوُّر الذي أحدثه في مُدرَكِـي الحِسِّـيِّ الفَتِــيّ، في ظِـلِّ تَعريشَةِ عِنَبٍ في فِناءِ مَنزلنا، بِمَعِيَّةِ الوالد (يرحمه الله)! وكنتُ منه كيُوسُف من يَعقوب (عليهِما السَّلام)!
وَقتَـهـا؛ أجريتُ معه حِوارًا عميقًا حول خُلاصة فهمي النَّاشئ، وتصوُّرِي المُتَطَــلِّع، لمضمونِ الكُتَيِّبِ المذكور… فما كان منه إلَّا أن خَتَمَ حوارَنا بالنظر إلَـيَّ حَزينًا أَسِفًا! ومُردِفًا بالقولِ في لهجةٍ فِلَسْطِينِيَّةٍ عامِّيَّةٍ: “يـابـا! مِنْ يُومِتْ ما الله (ﷻ) خَـلَـكْنا وِحْنا بِنِسْمَعْ هَـلْـحَـجِ (الجِيمُ هنا تُنطَقُ كَمِثْلِ نُطْقِ “Ch” في الإنجليزية)! دَشْرَكْ مِنُّـهْ وَاهْتَـمْ بِمُسْتَــكْبَــلَـكْ“! والترجمةُ الفصيحَةُ لنَصيحَتِهِ هي: “يا بُنَيَّ! مُذْ وَعَيْنا وَنَحنُ نَسمَعُ هكذا دَعاوَى! دَعْكَ مِنـها؛ وَاهْتَمَّ بِمُستَقبَــلِـك“.
صدَمَني كلامُهُ وآلَـمَني! لدرجةِ أَنِّـي هِمْتُ على وجهِي لساعاتٍ، في سهلٍ قريبٍ من منزلنا… مُستهجِنًا وعاجِزًا عن تَجسِيرِ الهُوَّةِ بين مضمونِ قولهِ الـمُعاشِ الـمَنْظُور…! ومُفادِ الكُتَـيِّـبِ الـمَسْطُور…!!
مُحَصِّلَةُ السنوات التقديرية فيما بين زمن وَعـيِ الوالدِ حتى وقتنا الحالي تقارِبُ الثَّمانينَ عامًا… وأَمِيرِكا بِفَهمِنا وتَصَوُّرِنا تُعاني وما تزالُ! وتُوشِكُ على الانهِيار!!
أُعدِمَ سيِّد قُطْب! وانتَكَسَت حركتُهُ الإسلامِيَّةُ؛ التي نَظَّـــرَ لها… وناصَرَها وأحَبَّـها…!! وأَمِيرِكا ما تزالُ! أو تُوشِكُ أن تنهارَ؛ بحَسَبِ تفكيـرِنـا الرَّغْبِــيِّ (Wishful Thinking) النَّفسِيِّ؛ وهو تفكيرٌ مُبنِـيٌّ على الرَّغْبَةِ لا على الحقيقَة والواقِع!
وفي الحقيقةِ والواقِعِ أنها، ومنذ ذلك الوقت، ازدادَت قُوَّةً في مَنَعَـتِـهـا… ومَناعَـتِـهـا… وتَزدادُ استِشْفاءً ذاتِيًّـا (Self-healing) بِعَودَتِها لِوَضعِها السَّوِيِّ مِمَّا أصابها أو قد يُصيبها؛ حيث إنَّ مُحَفِّزَ عَودَتِها ومُوَجِّهَهُ مِن ذاتِـهـا! ونحن مَنِ ازدادَ… لا بل وَفِـي ازدِيادِ تَخَلُّفٍ! وانحِطـاطٍ!! وَتَبَعِيَّـة!!!
ومُؤخَّرًا كذلك؛ استَحضرتُ ذاتَ الحوار! على إثْرِ ما وقع من اعتداءٍ غَوْغائِيٍّ على مبنى الكُونْغْرِس الأَمِيرِكِيِّ (Capitol) بواشنطن! وكيف استطاع النظام والقانون الأَمِيرِكِيَّيْـنِ، ومن ورائهم الثقافة الأَمِيرِكِيَّة، تدارُكَ الأمر، والتغلُّبَ عليه… في ساعاتٍ معدودة! وهذا -بالمناسبة- قد حصل لذات الكونغرس قبل أكثر من قَرنَينِ من الزمن… وكانت الغَلَبَةُ لذات الثقافة والنظام والقانون الأَمِيرِكِيِّيـنَ وقتها! لا بل وازدادُوا قُوَّة… على مبدأ: “الضَّربَةُ التي لا تُفْنِينِــي تُقَوِّينِــي“!
أمَّا القشَّة التي قَصَمَت ظهرَ البَعير! ودفعتني لكتابة مقالي هذا؛ فهي ما قرأتُ، ولا أزالُ، لِـمُثَقَّفي واقعِنا!! ما مُفادُهُ أنَّ ما حصل مُؤخَّرًا هو إيذانٌ بالانهيارِ الأَمِيرِكِـيِّ الوَشِيك، وأنَّ أَمِيرِكـا ستَتَشَرذَمُ لا مَحالَة… وعمَّا قريب! وأنَّ… إلخ! مِن تَحَيُّـنٍ وتَرَقُّبٍ في شَكلِ دَعاوَى تَفتَقِرُ لما يجب من مُستَوَياتِ الوَعيِ للذَّات… وللآخَر… والمُوغِلَةِ بالتفكير الرَّغْبِـيِّ؛ حيث فُقدان الرُّؤيَة استِشرافيًّـا… وإستراتِيجِيًّـا…!!
كُـلِّــي يَقينٌ بأنَّ اللهَ ﷻ لَو أَمَــدَّ فِـي عُمُرِ الإِنْسانِيَّـةِ قُرُونًــا وَأَلْفِيَّــاتٍ فَسَتَـبْقـى تَذْكُرُ عَصْرًا اسْتِثْـنائِـيًّـا؛ بِـإِيجابِيَّــاتِـهِ…! وَسَلْبِيَّــاتِـهِ…! اسْمُهُ العَصْرُ الأَمِيرِكيّ (American Era)! فإنَّ مِن حقائِق الوُجودِ وسُنَنِهِ الإلهيةِ حَقِيقَة: “… وَتِــلْــكَ الأَيَّــامُ نُـداوِلُهـا بَيْـنَ النَّــاس…” (آلِ عِمْران:140)
الكَونُ بالفِطْرَةِ يكرهُ الفَراغ… وعليه؛ بِماذا سَنَملأُهُ نحن إنْ حصلَ انهيارٌ لأَمِيرِكا…؟!! هل سنملأه بالبحث عن راكِبٍ آخَرَ يَمْتَطِينا؟! أم سَنَلجَأُ إلى مُستثمرٍ بَدِيلٍ يستثمرُ فِينا؟!!
أمَّا خُلاصَةُ الحَلِّ… وباختصار! فهي كامِنَةٌ في نصيحةِ الوالدِ أبي عَدنان زَقْزُوق: “… دَشْرَكْ مِنُّـهْ وَاهْتَمْ بِمُسْتَـكْبَـلَـكْ“. نعم! دَعُونا من هذه الدَّعاوَى، وليكُنْ مِنَّا اهتمامٌ أكبر بمستقبلنا الفردِيِّ، والمُنَظَّمِـيِّ، والمجتَمَعِـيِّ… وبذلك نرجو مَوْعُودَ اللهِ ﷻ ورَسُولِهِ ﷺ: “… ثُـمَّ تَــكُـونُ خِـلافَـةٌ عَلـى مِـنْـهـاجِ نُبُـوَّة” (الرَّاوي: النُّعمانُ بن بشير – المحَدِّث: أحمد بن حَنْبَل – المصدر: مسند الإمام أحمد بن حنبل – الطبعة الثانية: 1429هـ/2008م – الجزء (30) – الصفحة (356) – الرقم (18406). خلاصة حكم المحَدِّث شعيب الأرنؤوط وفريقه: حَسَن)
نعم! بِتَـعاهُـدِنـا الاسْتِـشْرافِـيَّ! لِـمـا هُوَ قائِـمٌ عالميًّا بِالتَّشْـخِيصِ وَالعِـلاجِ الصَّائِبَيْـنِ؛ ضِمْنَ إسْتْـراتِيجِيَّــةٍ كُـبْـرى! مَــآلُــهُ وُضُـوحُ… فَتَـشَكُّــلُ… نِظــامِ: وِلايـاتٍ مُتَّـحِـدَةٍ إِسْلامِيَّــةٍ (United States of Islam – USI)!
والله وَليُّ ذلك والهادِي إليه،،،
التاريـــخ: 26، جُمادى الأُولى (05)، 1442هـ
الموافق: 10، كانون الثاني (01)، 2021م