مِن وَحـي “طوفانِ الأقصَى” – مَقال (4)
التَّفكِيرُ خارجِ الإطار
عَزام زَقزوق
مُستَشارُ ومُدرِّبُ وإستراتيجـيُّ إدارةِ مشروعات
في ثنايا خطاب القيادة السياسية للمقاومة الفلسطينية أمس وَرَد طلبٌ مباشرٌ بضرورة شروع أبناء الأمة الإسلامية وبَدئهم الجادّ بالتفكير “خارج الصندوق/الإطار” (Out-of-the-box).
فما هو التفكير خارج الإطار؟
التفكير خارج الإطار هو: مُقارَبةٌ للتَّفكيرِ مع عَدَمِ تَقَيُّدِ العقل بـ: القَوالب، والعادات، والأعراف، المألوفة والحاكِمَة.
قال الله تعالى: “… وَأَنزَلنا إِلَيْكَ الذِّكرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون” (النَّحل:44)
وقال رسوله للعالمين صلى الله عليه وسلم: “مَن سَنَّ سُنَّةً حَسنةً فعُمِلَ بِها، كانَ لَهُ أجرُها وَمِثْلُ أجرِ مَن عملَ بِها، لا يَنقُصُ مِن أجورِهِم شيئًا…” (صحيح ابن ماجه)
إن عَظَمَةَ التَّفكِيرِ (Thinking) وَالفِكْرِ (Thought) وَالأَفكارِ (Ideas) تكمنُ فِي أَطوارِ: بَلوَرَتِها، ثُمَّ تَصمِيمِها، ثُمَّ إنشائِها، ثُمَّ في إدخالها الخِدمَة.
فكُلُّ ما نَراهُ مِنْ نِتاجاتِ البشَرِ مَنشَؤُهُ فِكرَةٌ! وَعَلَيهِ؛ فَبَناتُ أَفكارِهم (Brainchildren) مَثَلُها في التَّصَوُّرِ ثُمَّ التَّبَلوُرِ مَثَلُ تَخَلُّقِ الجَنِينِ فِي رَحِمِ والِدَتِه؛ إن لم يولد طبيعيًّا تأذَّى سُقوطًا، وآذى إجهاضًا!
وبالمِثالِ يتَّضِحُ المقال؛
مِن أهَمِّ الأمثلة المُجسِّدة لهذا النمط من التفكير؛ الذي يحبه الله ورسوله في إنضاج، وتعميق، وتوسيع مقاومة العدو الصهيونيّ الاستئصاليّ في عدوانه على الشعب الفلسطيني، واغتصابه لمقدسات الأمة الإسلامية، وإهانته للحرية الإنسانية؟
من أهمِّها التَّوقُّف عن “بُكائيات” الأطلال، والضحايا، والخسائر… التي مُنِينا بها، وكسر إطار الشفقة، ومجرد الحنُوّ على الفلسطينيين، وحالهم الذي انتهَوا إليه…!
هذا الإطار/الصندوق الذي تشَكَّل وتخَشَّب خلال عقودٍ مضت، لِحَدِّ وقوع البعض فيما اصطلِح عليه في علم النفس بـ”وَهْنِ الشَّفَقَة” (Compassion fatigue) في السنوات الأخيرة؛ حيث وجدنا أنّ كثيرًا من أبناء أمتنا، ومنظماتهم، لا وبل مجتمعاتهم، باتوا يُظهرون الشعور بالوهن (والمخفي أعظم!) من الشفقة على الفلسطينيين ومساعدتهم في مقاومتهم ضد المحتل!
ومِمَّا عزَّزَ هذا الشعور وأطَّرَه أن القضية في أذهان الأغلب أضحت قضية فلسطينية تخص الفلسطينيين! وليست عربية أو إسلامية! فتأملوا حال الخداع في هذا الإطار والانخداع به!!
وعليه؛ فإن التفكير خارج الإطار يقتضي أولًا كسر الصندوق/الإطار؛ بالبيان النقليّ الصحيح، والعقليّ الصريح، والفطريّ السليم، ومن ثم الانطلاق بِبَدء التفكير في آفاقٍ كَونيَّةٍ (Cosmic Horizons) مُتاحة، ومأجورة، من لدن خالق الكَون عز وجلّ.
لا شك أنَّ مشاعرنا في هذه الأيام العصيبة مُتأجِّجة، وعواطفنا مُتَّقِدة مُلتَهِبة…
لكنّ هذا يُوجِبُ علينا توظيف طاقتنا إيجابيًّا بإنارة نظرات العقول: تفكيرًا، وتفكرًا، وأفكارًا…
اللهُمَّ! إنا نشهدك أن رسولَك (صلى الله عليه وسلم) قد بيَّن لنا في سُنَّتِه الثابتة ما نزَّلتَ إلينا من قرآن كريم… فأعِنّا على التفكير والتفكر فيما يحقق عزتنا، وكرامتنا، وخيريتنا، في العالمين!
التاريـــخ: 5، ربيع الآخر (04)، 1445هـ
الموافق: 20، أكتوبر (10)، 2023م